رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَسْتَرِيبُ فِيهِ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لَمْ تَسْتَجْرِئْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِالِاجْتِهَادِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَمَلَ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، وَاسْتِحْلَالَ مِثْلِ هَذَا كُفْرٌ، لِأَنَّهُ مِنْ الرِّبَا وَاسْتِحْلَالُ الرِّبَا كُفْرٌ، لَكِنَّ عُذْرَ زَيْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ، وَلِهَذَا أَمَرَتْ بِإِبْلَاغِهِ فَمَنْ بَلَغَهُ التَّحْرِيمُ وَتَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهِ لَزِمَهُ هَذَا الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَتْ هَذَا، فَإِنَّهَا قَصَدَتْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُقَاوِمُ إثْمُهَا ثَوَابَ الْجِهَادِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً وَسَيِّئَةً بِقَدْرِهَا فَمَا كَأَنَّهُ عَمِلَ شَيْئًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ صَغِيرَةً، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ، فَلَمَّا قَطَعَتْ بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَتْ بِإِبْلَاغِهِ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ هَذَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا عَنْ عِلْمٍ، وَإِلَّا فَالِاجْتِهَادُ لَا يُحَرِّمُ الِاجْتِهَادَ، وَأَيْضًا فَكَوْنُ الْعَمَلِ يُبْطِلُ الْجِهَادَ لَا يُعْلَمُ بِالِاجْتِهَادِ.
ثُمَّ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ حُجَّةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ مِثْلَ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَفْتَوْا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَغَلَّظُوا فِيهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَلْ عَامَّةُ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَيَكُونُ حُجَّةً بَلْ إجْمَاعًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَدْ فَعَلَ هَذَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّ هَذَا حَلَالٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ، وَلَا نَظَرٍ وَلَا اعْتِقَادٍ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَضْعَفُ الْعِلْمِ الرِّوَايَةُ، يَعْنِي أَنْ يَقُولَ: رَأَيْت فُلَانًا يَفْعَلُ كَذَا، وَلَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَهُ سَاهِيًا وَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لَا تَنْظُرْ إلَى عَمَلِ الْفَقِيهِ وَلَكِنْ سَلْهُ يَصْدُقْكَ.
وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنَّهُ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ إنْكَارِ عَائِشَةَ وَكَثِيرًا مَا قَدْ يَفْعَلُ الرَّجُلُ النَّبِيلُ الشَّيْءَ مَعَ ذُهُولِهِ عَمَّا فِي ضِمْنِهِ مِنْ مَفْسَدَةٍ، فَإِذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُحْتَمِلًا لِهَذَا، وَلِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْسَبَ لِأَجْلِهِ اعْتِقَادُ حِلِّ هَذَا إلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا سِيَّمَا وَأُمُّ وَلَدِهِ إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ تَسْتَفْتِيهَا وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْ هَذَا الْعَقْدِ إلَى رَأْسِ مَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا.
وَقَوْلُ السَّائِلَةِ لِعَائِشَةَ أَرَأَيْتِ إنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي ثُمَّ تِلَاوَةُ عَائِشَةَ عَلَيْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute