للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ نُوحٌ الْجَامِعُ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ، فَقَالَ: كَلَامُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَيْك بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَدَعْ مَا أُحْدِثَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ، وَأَرَادَ أَبُو يُوسُفَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ لَمَّا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ تَعْطِيلِ الصِّفَاتِ حَتَّى فَرَّ مِنْهُ وَهَرَبَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِصِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ وَأَنَّهَا تُمَرُّ كَمَا جَاءَتْ، وَذَكَرَ كَلَامًا فِيهِ طُولٌ لَا يَحْضُرُنِي هَذِهِ السَّاعَةَ يَرُدُّ بِهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ.

وَمَا زَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِهِ يُنَابِذُونَ الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَقَدْ كَانَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ رَأْسُ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَاضِي الْقُضَاةِ، وَنُظَرَاؤُهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ قَبْلَهُمْ وَبَعْدَهُمْ يَنْتَسِبُونَ فِي الْفُرُوعِ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُمْ الَّذِينَ أَوْقَدُوا نَارَ الْحَرْبِ حَتَّى جَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ الْمِحْنَةُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى تَعْطِيلِ الصِّفَاتِ وَالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ.

فَلَعَلَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَمَرُوا بِنْتَ أَبِي رَوْحٍ بِالِارْتِدَادِ عَنْ الْإِسْلَامِ كَانُوا مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ قَبْلَ زَمَانِ الْمِحْنَةِ بِقَلِيلٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ بَعْضِ الْمُتَرَائِسِينَ بِالْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَغَيْرِهِ، عَلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ فِي أَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَتَكْفِيرُ السَّلَفِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مِثْلِ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِينَ أَمَرُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِيَلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهَا فُجُورٌ وَنَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ، فَهَذَا الْكَلَامُ كَانَ فِي بَعْضِ الْحِيَلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مَعَ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَئِمَّةِ الْكُوفِيِّينَ، مِثْلِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ، وَمِثْلِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَهَؤُلَاءِ قُضَاةُ الْكُوفَةِ، وَحَفْصٌ بَعْدَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَصْلَ الْحِيَلِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا بَيَانَ أَعْيَانِ الْحِيَلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُعْذَرُ فِيهِ الْمُفْتِي فِي الْجُمْلَةِ وَمَا لَا يُعْذَرُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْإِفْتَاءَ بِهَا إنَّمَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا، وَأَنَّ بَقَايَا السَّلَفِ أَعْظَمُوا الْقَوْلَ فِيمَنْ أَفْتَى بِهَا إعْظَامَهُمْ الْقَوْلَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَوْ كَانَ جِنْسُهَا مَأْثُورًا عَمَّنْ سَلَفَ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِاجْتِهَادِ رَأْيِهِ، فَمَا لَهَا مَسَاغٌ فِي الشَّرِيعَةِ.

وَلَا يُنْكِرُونَ مَا فَعَلَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>