للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحَابَةُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ شَدِيدٍ مِنَّا لِمَا يُشْبِهُ الْعِينَةَ فَضْلًا عَنْ الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَلَكِنَّ وُجُوبَ النَّصِيحَةِ اضْطَرَّنَا إلَى أَنْ نُنَبِّهَ عَلَى مَا عِيبَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحِيَلِ، وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَسْمَعُ كَلِمَاتِ الْعُلَمَاءِ الْغَلِيظَةَ قَدْ لَا يَعْرِفُ مَخْرَجَهَا، وَكَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَرْوُونَهَا رِوَايَةَ مُتَشَفٍّ مُتَعَصِّبٍ، مَعَ أَنَّهُمْ دَائِمًا يَفْعَلُونَ فِي الْفُتْيَا أَقْبَحَ مِمَّا عِيبَ بِهِ مَنْ عِيبَ مَعَ كَوْنِ أُولَئِكَ كَانُوا أَعْلَمَ وَأَفْقَهَ وَأَتْقَى، وَلَوْ عَلِمَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ وَهَدِيَ رُشْدَهُ لَكَانَ اعْتِبَارُهُ بِمَنْ سَلَفَ يَكْفِهِ عَنْ أَنْ يَقَعَ فِي أَقْبَحَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ، وَلَكَانَ شُغْلُهُ بِصَلَاحِ نَفْسِهِ اسْتِغْفَارًا وَشُكْرًا شَغَلَهُ عَنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِفَاءِ وَالِاعْتِصَابِ.

وَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُخَالِفُ الْمَشْرِقِيِّينَ فِي مَذْهَبِهِمْ، وَيَرَى أَنَّهُ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ وَالْأَثَرِ، وَآخَذُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَنْ يَتَوَسَّعُ فِي الْحِيَلِ وَيُرِقُّ الدِّينَ وَيَنْقُضُ عُرَى الْإِسْلَامِ، وَيَفْعَلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا، أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْكَى عَنْهُمْ حَتَّى دَبَّ هَذَا الدَّاءُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الطَّوَائِفِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ أَتْبَاعِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ هَذِهِ الْحِيَلِ تَلَطَّخُوا بِهَا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضُهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَذَكَرُوا طَائِفَةً مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ أَشَدِّ مَا أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى الْمَشْرِقِيِّينَ، وَحَتَّى اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ خُلْعِ الْيَمِينِ وَصِحَّةَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَجَوَازَ بَعْضِ الْحِيَلِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَحَتَّى إنَّ بَعْضَ الْأَعْيَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ سَوَّغَ بَعْضَ الْحِيَلِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، مَعَ رَدِّهِ عَلَى أَصْحَابِ الْحِيَلِ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ قَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى إبْطَالِ الْحِيلَةِ فِيهَا إلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ، وَكَثُرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَتَوَسَّعَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا تَوَسُّعًا تَدُلُّ أُصُولُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى خِلَافِهِ، وَحَتَّى إنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ تَزَلْزَلَ فِيهَا تَزَلْزُلَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ بَعْضِهَا، وَحَتَّى صَارَ مَنْ يُفْتِي بِهَا كَأَنَّهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، أَوْ صِفَةَ الصَّلَاةِ لَا يُبَيِّنُ الْمُسْتَفْتِيَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ أَكْثَرِهِمْ، وَعِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَتَّى أَلْقَوْا فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنْ الْعَامَّةِ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّهَا حَلَالٌ، وَأَنَّهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَتَجِدُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ يَكْرَهُهَا وَيَنْفِرُ قَلْبُهُ مِنْهَا، وَالْمُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَقُولُ لَهُ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا جَائِزٌ، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>