للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِبَلِي، أَوْ لَا أَعْلَمُ صِحَّةَ مَا تَدَّعِيهِ، فَتَكُونُ صُورَتُهُ صُورَةَ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ.

وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدِئُ أَوَّلًا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ صُورَتُهُ صُورَةُ الدَّعْوَى وَالطَّلَبِ، وَلَيْسَ هُوَ مُدَّعِيًا عَلَى ذَلِكَ الْآخَرِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَوْلُهُمْ جَازَ اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَوْلِ فِي دِينِ اللَّهِ، أَتَرَى اللَّهَ أَجَازَ أَنْ أَسْتَمِعَ دَعْوَى وَأَجْعَلَهَا دَعْوَى صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً قَدْ عَلِمْت بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ قَائِلَهَا لَا يَدَّعِي شَيْئًا وَلَا يَطْلُبُ مِنْ ذَلِكَ الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا أَتَى أَمْرُهُ بِصُورَةِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ، وَأُعَيِّنَ لَهُ مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الْوُكَلَاءِ فِي الْخُصُومَاتِ وَالدَّعَاوَى، وَلَوْ سُلِكَتْ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَاسْتُغْنِيَ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ بَابٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ، إلَّا وَقَدْ فَتَحَهُ الشَّارِعُ لَهُمْ.

وَمِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ احْتِجَاجُ بَعْضِ أَهْلِ الشُّرَطِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ، بِقَوْلِ أَحَدِ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: ٢٣]- الْآيَةَ وَتِلْكَ لَيْسَتْ خُصُومَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثُبُوتٌ، أَوْ حُكْمٌ فِي دَمٍ، أَوْ مَالٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِثْلُ ضَرْبٍ لِتَفْهِيمِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ الْخُصُومَاتِ الْمَضْرُوبَةِ أَمْثَالًا مَا شَاءَ. أَمَّا تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا وَذِكْرُ أَنَّ أَصْحَابَهَا خَصْمٌ مُحَقَّقٌ أَجَازَ الشَّارِعُ اسْتِمَاعَ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَحِلُّ قَوْلُهُ. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَذِبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمَ.

وَمِنْ الْحِيَلِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي لَا أَعْلَمُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الطَّوَائِفِ خِلَافًا فِي تَحْرِيمِهَا أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلُ أَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى نَفْسِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى جِهَاتٍ مُتَّصِلَةٍ، فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ: أَقِرَّ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي بِيَدِك وَقْفٌ عَلَيْك مِنْ غَيْرِك، وَيُعَلِّمُونَهُ الشُّرُوطَ الَّتِي يُرِيدُ إنْشَاءَهَا فَيَجْعَلُونَهَا إقْرَارًا. فَيُعَلِّمُونَهُ الْكَذِبَ فِي الْإِقْرَارِ، وَيَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِهِ، وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَسْتَرِيبُ مُسْلِمٌ فِي أَنَّ هَذَا حَرَامٌ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُلَقَّنُ شَهَادَةَ زُورٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بَاطِلًا فِي دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ عَلَّمْنَاهُ حَقِيقَةَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، وَلَا صَارَ وَقْفًا بِالْإِقْرَارِ بِالْكَذِبِ، فَيَصِيرُ الْمَالُ حَرَامًا عَلَى مَنْ يَتَنَاوَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ وَقْفُهُ صَحِيحًا، فَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ تَكَلُّفِ الْكَذِبِ بَلْ لَوْ وَقَفَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>