يُسْتَوْفَ لَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، فَيَصِيرُ الثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَيْهِ. وَهَذَا تَعْلِيلٌ خَارِجٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْحِيَلِ وَالذَّرَائِعِ أَيْضًا. فَصَارَ لَهَا ثَلَاثَةُ مَآخِذَ، فَلَمَّا لَمْ يُمْتَحَضْ تَحْرِيمُهَا عَلَى قَاعِدَةِ الْحِيَلِ تَوَقَّفَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مَنْ تَوَقَّفَ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْحِيَلِ أُعْطِيت حُكْمَ الْحِيَلِ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ فِيهَا الْمَأْخَذَانِ الْآخَرَانِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ مَقْصُودًا حَقِيقَةً فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ مَا دَامَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ الثَّمَنَ رِبَوِيًّا، لَا يُبَاعُ بِالْأَوَّلِ نَسْئًا، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا تُسْتَوْفَى إلَّا بِالتَّقَابُضِ، فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُضُ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّبَا، وَإِنْ تَقَابَضَا وَكَانَ الْعَقْدُ مَقْصُودًا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كَمَا يَشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ الطَّرِيقُ إلَى الْحَلَالِ هِيَ الْعُقُودَ الْمَقْصُودَةَ الْمَشْرُوعَةَ الَّتِي لَا خِدَاعَ فِيهَا وَلَا تَحْرِيمَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُلْحَقَ فِيهَا صُورَةُ عَقْدٍ لَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَتَهُ مَنْ مَلَكَ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ اسْتِحْلَالَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الرِّبَا وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ: «بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الِاحْتِيَالِ بِالْعُقُودِ الَّتِي لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ الْأُولَى، ثُمَّ يَبْتَاعَ بِثَمَنِهَا سِلْعَةً أُخْرَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْبَيْعَ الصَّحِيحَ، وَمَتَى وُجِدَ الْبَيْعَانِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ جَازَ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ بَيْعٍ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَكُونُ رِبًا، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي بُيُوعٍ قَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا فَإِنَّهَا رِبًا وَهِيَ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي بَيْعٍ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ، أَوْ فَاسِدٌ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إدْخَالَهُ فِي هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ، فَمَتَى أَثْبَتَ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى صِحَّةِ صُورَةِ النِّزَاعِ أَلْبَتَّةَ.
وَالنُّكْتَةُ أَنْ يُقَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْبَيْعَ الصَّحِيحَ. وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي تَوَاطَآ فِيهَا عَلَى الِاشْتِرَاءِ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ جِنْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute