ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ وَكِتْمَانِ الْعُيُوبِ فِي الْبُيُوعِ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِمَاسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إلَى ابْنِ شِمَاسَةَ وَابْنُ شِمَاسَةَ قَدْ وَثَّقُوهُ وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إلَّا أَخْبَرَهُ» .
وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلِابْنِ مَاجَهْ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنْ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» . وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا: «هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ:، وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ وَقَالَ فِي الْحِيَلِ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَيْعُ الْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ» ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَيْعُ الْمُسْلِمِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ. وَأَنَّ اشْتِرَاطَهُ بَيَانٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ وَتَوْكِيدٌ لَهُ.
فَهَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَ أَنَّ مُجَرَّدَ سُكُوتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَنْ إظْهَارِ مَا لَوْ عَلِمَهُ الْآخَرُ لَمْ يُبَايِعْهُ مِنْ الْعُيُوبِ وَغَيْرِهَا إثْمٌ عَظِيمٌ وَحَرَّمَ هَذَا الْكِتْمَانَ وَجَعَلَهُ مُوجِبًا لِمَقْتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَصِفْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ، إنَّمَا ذَاكَ، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ فَيَبْنِي الْآخَرُ الْأَمْرَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَصِفْهُ الْآخَرُ بِلِسَانِهِ وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْغُرُورِ لَهُ وَالتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرُورَ بِالْكَلَامِ وَالْوَصْفِ إثْمٌ فَإِذَا غَرَّهُ بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُ أَمْرًا ثُمَّ لَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ فِي الْغُرُورِ وَالتَّدْلِيسِ.
وَأَيْنَ السَّاكِتُ مِنْ النَّاطِقِ.، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ إثْمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute