عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، أَوْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا أَوْ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَقَالَ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .
وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُسْلِمِ وَتَرْكِ إضْرَارِهِ بِكُلٍّ إلَّا أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ أَذًى، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ نَيْلِ الْغَرَضِ بِخَدِيعَةِ الْمُسْلِمِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْحِيَلِ يُنَاقِضُ هَذَا، وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْحِيَلِ لَا يَمْنَعُونَ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَلَا تَلَقِّيَ السِّلَعَ. طَرْدًا لِقِيَاسِهِمْ، وَمَنْ أَخَذَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا أَخَذَ بِهَا عَلَى مَضَضٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ قِيَاسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ لِلسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ مِثْلُ التَّلَقِّي وَالنَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْخِلَابَةُ جَمَعَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ بَيَّنَ تَحْرِيمَ الْخِلَابَةِ مُطْلَقًا فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» .
وَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخِلَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ - وَالْخِلَابَةُ الْخَدِيعَةُ وَيُقَالُ الْخَدِيعَةُ بِاللِّسَانِ وَفِي الْمَثَلِ إذَا لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلِبْ أَيْ فَاخْدَعْ وَرَجُلٌ خَلَّابٌ أَيْ خَدَّاعٌ - وَامْرَأَةُ خَلِبَةٌ أَيْ خَدَّاعَةٌ وَالْبَرْقُ الْخَلْبُ وَالسَّحَابُ الْخَلْبُ الَّذِي لَا غَيْثَ مَعَهُ كَأَنَّهُ يَخْدَعُ مَنْ يَرَاهُ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْهُ مُوَافِقٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاشْتِرَاطِهِ الْعَدَاءَ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ الْخِلَابَةَ الَّتِي هِيَ الْخَدِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ مَعْرُوفًا بَلْ يَكُونُ شَرَطَ شَيْئًا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْدَعُ وَالْخَدِيعَةُ حَرَامٌ، وَلِأَنَّهُ قَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِغُلَامَيْنِ شَابَّيْنِ: تَبَايَعَا وَقُولَا لَا خِلَابَةَ» ، وَقَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute