الْبِدَعِ الْمُكَفَّرِينَ بِبِدْعَتِهِمْ أَوْ الْمُفَسَّقِينَ بِهَا بَلْ مَنْ كَانَ يَضُمُّ إلَى بِدْعَتِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا بَعْضُهُ يُوجِبُ الْفُسُوقَ، وَمَتَى ثَبَتَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَإِبْطَالِهَا فَهُوَ الْغَايَةُ فِي الدَّلَالَةِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ: إنَّا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَالَ (لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا) ، وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ التَّحْلِيلِ وَبَيَّنُوا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِهِ لَا لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي، وَأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ كُلَّ مَا قُصِدَ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ.
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نُقِلَتْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَضَايَا مُتَفَرِّقَةٍ وَفِيهَا مَا سَمِعَهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ وَسَايَرَهَا بِحَيْثُ تُوجِبُ الْعَادَةُ انْتِشَارَهُ وَشِيَاعَهُ، أَوْ لَمْ يُنْكِرْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ وَزَوَالِ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ يُظَنُّ أَنَّ السُّكُوتَ كَانَ لِأَجْلِهَا، وَأَيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَعْيَانِهِمْ مِثْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةَ الْمُقْتَرِضِ إلَّا إذَا كَافَأَهُ عَلَيْهَا أَوْ حَسَبَهَا مِنْ دَيْنِهِ وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَيْضًا وَقَعَتْ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ، وَالْعَادَةُ تُوجِبُ أَنْ يَشْتَهِرَ بَيْنَهُمْ جِنْسُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَا سِيَّمَا وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ هُمْ أَعْيَانُ الْمُفْتِينَ الَّذِينَ كَانَتْ تُضْبَطُ أَقْوَالُهُمْ وَتُحْكَى إلَى غَيْرِهِمْ وَكَانَتْ نُفُوسُ الْبَاقِينَ مُشْرَئِبَّةً إلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَعَ تَبَاعُدِ الْأَوْقَاتِ وَزَوَالِ أَسْبَابِ الصُّمَاتِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ مَا أَوْجَبَ فِيهَا تَغْلِيطَ التَّحْرِيمِ وَفَسَادَ الْعَقْدِ، وَفِي الْفَتَاوَى وَقَعَتْ فِي أَزْمِنَةٍ وَبُلْدَانٍ وَلَمْ يُقَابِلْهَا أَحَدٌ بِرَدٍّ وَلَا مُخَالَفَةٍ مَعَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَكَانَ السُّكُوتُ عَنْهَا مِنْ الْعَظَائِمِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ الْعَظِيمَةِ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَمْ يُخَالِفْ هَذَا وَأَنَّ عَقْدَهُ لَمْ يَتِمَّ.
وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ أَقْوَالُهُمْ فِي الْإِهْدَاءِ إلَى الْمُقْرِضِ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا عُرْفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute