فَكَيْفَ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَى الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ؟ أَوْ بِالْمُوَاطَأَةِ عَلَى هِبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ؟ ثُمَّ إذَا كَانَ هَذَا قَوْلَهُمْ فِي التَّحْلِيلِ وَالْإِهْدَاءِ لِلْمُقْرِضِ وَالْعِينَةِ فَكَيْفَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ وَتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ وَقْتِهِ وَإِخْرَاجِ الْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ عَنْ مِلْكِ أَصْحَابِهَا وَتَصْحِيحِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ وَسَائِرَ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ، قَالَهُ عُمَرُ فِي قِصَّةِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ لَمَّا طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَك وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَك أَوْ لَأُوَرِّثَنَّ نِسَاءَكَ ثُمَّ لَأَمَرْتُ بِقَبْرِك فَلَيُرْجَمَنَّ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَقَالَ الْبَاقُونَ فِي قِصَّةِ تَمَاضُرَ بِنْتِ الْأَصْبَغِ لَمَّا طَلَّقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْكَرَ هَذَا الْوِفَاقَ وَلَا خَالَفَهُ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا هِيَ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَبِهَذَا اعْتَذَرَ مَنْ اعْتَذَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي طَلَاقِهَا، وَقِيلَ إنَّ الْعِدَّةَ كَانَتْ قَدْ انْقَضَتْ، وَمِثْلُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْقَائِلُونَ بِتَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا هَلْ تَرِثُ مَعَ مُطْلَقِ الطَّلَاقِ، أَوْ مَعَ طَلَاقِ يُتَّهَمُ فِيهِ بِأَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ إرْثِهَا؟ وَهَلْ تَرِثُ فِي حَالِ الْعِدَّةِ فَقَطْ، أَوْ إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ؟ أَوْ تَرِثُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ؟ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَلَامُ ابْنِ الزُّبَيْرِ يُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَتًّا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ وَكَذَلِكَ كَلَامُ غَيْرِهِ إنْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْقَاعِدَةِ.
ثُمَّ لَوْ فُرِضَ فِي تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ وَهِيَ الطَّلَاقُ وَاقِعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَإِذَا صَحَّ تَبِعَهُ سَائِرُ أَحْكَامِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْخِلَافِ فِي مِثْلِ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إنْفَاذِ هَذِهِ الْحِيلَةِ إحْلَالُهَا وَإِجَازَتُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ فِي جَوَازِ شَيْءٍ مِنْ الْحِيَلِ، وَلَا فِي صِحَّةِ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ إمَّا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَوْ فِي بَعْضِهَا. الثَّانِي: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ مُطْلَقًا لَمْ يَخْرِقْ هَذَا الْإِجْمَاعَ الْمُتَقَدِّمَ، فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute