للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ.

وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مِمَّنْ يُسْتَفْتَى بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَوْ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَارَ بَعْدُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى. وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي إمَارَتِهِ بَعْدَ إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ انْقَرَضَ عَصْرُ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ وَغَيْرِهِمْ.

وَمَتَى انْقَرَضَ عَصْرُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْمُجْمِعِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ظَاهِرٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ غَيْرِهِمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ هَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؟ وَإِذَا قُلْنَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ فَلَوْ صَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مُجْتَهِدًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عَصْرِهِمْ فَخَالَفَ هَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؟ هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَأَمَّا الْمُخَالِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وِفَاقًا. وَكَذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِمَنْ صَارَ مُجْتَهِدًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ قَبْلَ انْقِرَاضِ عَصْرِهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ مَسَائِلِ الْحِيَلِ وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ وَذَلِكَ بِمُوجَبِ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ هَذِهِ الْحِيَلَ وَيُبْطِلُونَهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْآثَارِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْفِقْهِ، ثُمَّ أَنْصَفَ لَمْ يَتَمَارَ أَنَّ تَقْرِيرَ هَذَا الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَإِبْطَالِهَا أَقْوَى مِنْ تَقْرِيرِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَالْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْخِطَابِ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ قَدْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ عَامَّةُ الْخَلْقِ الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَالْمُنْكِرُونَ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ إنْكَارِ الْبَاطِلِ مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْوَاقِعِ مَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَالْأَدِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ إنْ لَمْ تَتَنَاوَلْ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِلَّا كَانَتْ بَاطِلَةً وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ بَيِّنٌ، وَإِنَّمَا ذَهِلَ عَنْهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَنْ ذَهِلَ لِعَدَمِ تَتَبُّعِ مَقَالَتِهِمْ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْأَصْلِ.

كَمَا قَدْ يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَوْلٌ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُخَالِفٌ لِنُصُوصٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ مَعْذِرَتَهُ فِي تَرْكِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ كَمَعْذِرَتِهِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ النَّصِّ، فَأَمَّا إذَا جُمِعَتْ وَفُهِمَتْ وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهَا لَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ التَّابِعِينَ مُوَافِقُونَ عَلَى هَذَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبْطَالِ الْحِيَلِ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>