للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَذَلِكَ أَبُو الشَّعْثَاءِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّابِعِينَ كَانُوا مُنْتَشِرِينَ انْتِشَارًا يَصْعُبُ مَعَهُ دَعْوَى الْإِحَاطَةِ بِمَقَالَاتِهِمْ لَقِيلَ إنَّ التَّابِعِينَ أَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ حِيلَةٍ تَوَاطَأَ عَلَيْهَا الرَّجُلُ مَعَ غَيْرِهِ وَإِبْطَالِهَا أَيْضًا.

وَيَكْفِي أَنَّ مَقَالَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. وَهَذَا الْمَسْلَكُ إذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ أَوْجَبَ قَطْعَهُ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ هَذِهِ الْحِيَلِ وَبِإِبْطَالِهَا أَيْضًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي طَرِيقِ الْأَحْكَامِ وَأَدِلَّتِهَا دَلِيلًا أَقْوَى مِنْ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ كَثْرَةَ فَتَاوِيهِمْ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْأَصْلِ وَانْتِشَارِهَا أَنَّ عَصْرَهُمْ انْتَشَرَ وَانْصَرَمَ وَرُقْعَةُ الْإِسْلَامِ مُتَّسِعَةٌ وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَقَدْ اتَّسَعَتْ الدُّنْيَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ اتِّسَاعًا عَظِيمًا وَتَوَسَّعَ فِيهَا مَنْ تَوَسَّعَ حَتَّى كَثُرَ مَنْ كَانَ يَتَعَدَّى الْحُدُودَ وَكَانَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ هَذِهِ الْحِيَلِ مَوْجُودًا قَوِيًّا كَثِيرًا ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَفْتَى بِحِلِّهِ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ بِهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا بَلْ يَزْجَرُ عَنْهَا وَيَنْهَى، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحِيَلُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ لَأَفْتَى بِجَوَازِهَا بَعْضُهُمْ وَلَاخْتَلَفُوا فِيهَا كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ مِثْلُ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَالظَّاهِرِ، وَالْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، فَإِنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُوهِمُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ اخْتِلَافًا، وَكَذَلِكَ فِي آحَادِ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ فِيهَا مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ هُوَ دُونَ مَا وُجِدَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهَذَا الْأَصْلُ لَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُهُمْ فِيهِ بَلْ دَلَّتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فِيهِ مَعَ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ عَلَى هَذَا الِاتِّفَاقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ وَحَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ لِمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ لِخَلْقِهِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ، وَلَأَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِأَنْ يُمَيِّزَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>