فِي الذَّرَائِعِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ فَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ هُنَا.
ثُمَّ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي بَعْضِهَا حِكَمٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الذَّرَائِعِ وَإِنَّمَا قَصَدْنَا أَنَّ الذَّرَائِعَ مِمَّا اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ إمَّا مُفْرَدَةً أَوْ مَعَ غَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي قَدْ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ إمَّا بِأَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْمُحَرَّمَ أَوْ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ يُحَرِّمُهُ الشَّارِعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً تُوجِبُ حِلَّهُ أَوْ وُجُوبَهُ فَنَفْسُ التَّذَرُّعِ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ بِالِاحْتِيَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَأَوْلَى بِإِبْطَالِ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ مِنْهُ إذَا عَرَفَ قَصْدَ فَاعِلِهِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يُعَانَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَجْوِيزَ الْحِيَلِ يُنَاقِضُ سَدَّ الذَّرَائِعِ مُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً، فَإِنَّ الشَّارِعَ سَدَّ الطَّرِيقَ إلَى ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَالْمُحْتَالُ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَسَّلَ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمَّا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ فِي الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا شُرُوطًا سَدَّ بِبَعْضِهَا التَّذَرُّعَ إلَى الزِّنَا وَالرِّبَا وَكَمَّلَ بِهَا مَقْصُودَ الْعُقُودِ لَمْ يُمَكِّنْ الْمُحْتَالَ الْخُرُوجَ عَنْهَا فِي الظَّاهِرِ، فَإِذَا أَرَادَ الِاحْتِيَالَ بِبَعْضِ هَذِهِ الْعُقُودِ عَلَى مَا مَنَعَ الشَّارِعُ مِنْهُ أَتَى بِهَا مَعَ حِيلَةٍ أُخْرَى تُوَصِّلُهُ بِزَعْمِهِ إلَى نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي سَدَّ الشَّارِعُ ذَرِيعَتَهُ فَلَا يَبْقَى لِتِلْكَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَأْتِي بِهَا فَائِدَةٌ وَلَا حَقِيقَةٌ. بَلْ يَبْقَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَتَطْوِيلِ الطَّرِيقِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.
وَلِهَذَا تَجِدُ الصَّحِيحَ الْفِطْرَةَ لَا يُحَافِظُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ لِرُؤْيَتِهِ أَنَّ مَقْصُودَ الشُّرُوطِ تَحْقِيقُ حُكْمِ مَا شُرِطَتْ لَهُ وَالْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ إنَّمَا قَصْدُهُ ذَاكَ لَا الْآخَرُ وَلَا مَا شُرِطَتْ لَهُ، وَلِهَذَا تَجِدُ الْمُحْتَالِينَ عَلَى الرِّبَا وَعَلَى حِلِّ الْمُطَلَّقَةِ وَعَلَى حِلِّ الْيَمِينِ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِشُرُوطِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ لِعَدَمِ فَائِدَةٍ تَتَعَلَّقُ لَهُمْ بِذَلِكَ وَلِتَعَلُّقِ رَغْبَتِهِمْ بِمَا مُنِعُوا مِنْهُ مِنْ الرِّبَا وَعَوْدِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا وَإِسْقَاطِ الثَّمَنِ الْمَعْقُودَةِ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ انْتِزَاعَ الشِّقْصِ مِنْ مُشْتَرِيهِ وَهُوَ لَا يُخْرِجُ الْمِلْكَ عَنْ مَالِكِهِ بِقِيمَةٍ أَوْ بِغَيْرِ قِيمَةٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ هُنَا تَكْمِيلَ الْعَقَارِ لِلشَّرِيكِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَزُولُ ضِرَارُ الشَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّكْمِيلِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الثَّمَنِ يَحْصُلُ بِأَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ وَاَلَّذِي يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا بِأَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ غَرَضُهُ بَيْعُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الشَّرِيكِ إمَّا ضِرَارًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute