لِلشَّرِيكِ أَوْ نَفْعًا لِلْأَجْنَبِيِّ لَيْسَ هُوَ مُنَاقِضًا لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ مُضَادًّا لَهُ فِي حُكْمِهِ، فَالشَّارِعُ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكُهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ وَهَذَا يَقُولُ لَا تَلْتَفِتُ إلَى الشَّرِيكِ وَأَعْطِهِ لِمَنْ شِئْت.
ثُمَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَثَلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَعَاقَدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَقَبَضَ مِنْهُ تِسْعَمِائَةٍ وَصَارَفَهُ عَنْ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَتَعَذَّرَ عَلَى الشَّرِيكِ الْأَخْذُ أَلَيْسَ عَيْنُ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَوْتَهُ مَعَ إظْهَارِهِ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ مَا أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَأَنَّ صَاحِبَهَا مُتَعَرِّضٌ لِسَخَطِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَ عَلَى صَاحِبِهَا مَقْصُودَهُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ حِيلَةٍ بِحَسْبِهَا، فَلَا يَخْلُو الِاحْتِيَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ. فَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَالُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَا عَقَدَا بَيْعَيْنِ تَوَاطَآ عَلَيْهِمَا تَحَيَّلَا إلَى الرِّبَا كَمَا فِي الْعِينَةِ حُكِمَ بِفَسَادِ ذَيْنِك الْعَقْدَيْنِ وَيَرُدُّ إلَى الْأَوَّلِ رَأْسَ مَالِهِ كَمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِأُمِّ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدِ رِبًا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ فَائِتًا.
وَكَذَلِكَ إنْ جَمَعَا بَيْنَ بَيْعٍ وَقَرْضٍ، أَوْ إجَارَةٍ وَقَرْضٍ، أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ، أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ مَعَ قَرْضٍ حُكِمَ بِفَسَادِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَدَلَ مَالِهِ فِيمَا جَعَلَاهُ قَرْضًا، وَالْعَقْدُ الْآخَرُ فَاسِدٌ لَهُ حُكْمُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ نِكَاحًا تَوَاطَآ عَلَيْهِ كَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا لَهُ حُكْمُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَوَاطَآ عَلَى بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى هِبَةٍ لِتَصْحِيحِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَقْفِ فَسَادٍ، مِثْلَ أَنْ تُرِيدَ مُوَاقَعَةَ مَمْلُوكِهَا فَتُوَاطِئَ رَجُلًا عَلَى أَنْ تَهَبَهُ الْعَبْدَ فَيُزَوِّجَهَا بِهِ ثُمَّ يَهَبَهَا إيَّاهُ لِيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ فَاسِدَانِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ.
فَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَالُ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ حِيلَةً يَسْتَقِلُّ بِهَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا غَرَضُهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَقْدًا كَانَ عَقْدًا فَاسِدًا مِثْلُ أَنْ يَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا لِئَلَّا تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْهِبَةِ كَعَدَمِهَا لَيْسَتْ هِبَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ الْمَقْصُودُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِلَّا بَقِيَتْ فَاسِدَةً فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ حِيلَةً لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ التَّحْلِيلَ وَلَا يُظْهِرُ لِلزَّوْجَةِ، أَوْ يَرْتَجِعُ الْمَرْأَةَ ضِرَارًا بِهَا، أَوْ يَهَبُ مَالَهُ ضِرَارًا لِوَرَثَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى مَنْ عَلِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute