غَرَضَهُ بَاطِلَةً فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ، وَإِذَا عَلِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ غَرَضَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَوْلَا الْعَقْدُ الْمُحْتَالُ بِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَاقِدِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ يُفِيدُ مَقْصُودَ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ.
وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِيلَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ كَطَلَاقِ الْمَرِيضِ صُحِّحَ الطَّلَاقُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ وَلَمْ يُصَحَّحْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ الْإِرْثَ. فَإِنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مَنْ قَطَعَ الْإِرْثَ لَا مِنْ إزَالَةِ مِلْكِ الْبُضْعِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْحِيلَةُ فِعْلًا يُفْضِي إلَى غَرَضٍ لَهُ مِثْلُ أَنْ يُسَافِرَ فِي الصَّيْفِ لِيَتَأَخَّرَ عَنْهُ لِلصَّوْمِ إلَى الشِّتَاءِ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ. بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي هَذَا السَّفَرِ، فَإِنْ كَانَ يُفْضِي إلَى سُقُوطِ حَقِّ غَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لِيَنْفَسِخَ نِكَاحُهُ، أَوْ مِثْلُ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَرْأَةَ ابْنُ زَوْجِهَا أَوْ أَبُوهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا فَهَذِهِ الْحِيلَةُ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ لِلْمِلْكِ بِقَتْلٍ أَوْ غَصْبٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَرْأَةِ بِهَذَا السَّبَبِ حَقٌّ لِلَّهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَسْخُ النِّكَاحِ ضِمْنًا.
وَالْأَفْعَالُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيمِ لَا يُعْتَبَرُ لَهَا الْعَقْلُ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ، وَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى نَجَاسَةِ دُهْنِهِ أَوْ خَلِّهِ أَوْ دِبْسِهِ بِأَنْ يُلْقِيَ فِيهِ نَجَاسَةً، فَإِنَّ نَجَاسَةَ الْمَائِعَاتِ بِالْمُخَالَطَةِ وَتَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَحْكَامٌ تَنْبُتُ بِأُمُورٍ حِسِّيَّةٍ لَا تَرْفَعُ الْأَحْكَامَ مَعَ وُجُوبِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْحِيلَةُ فِعْلًا يُفْضِي إلَى التَّحْلِيلِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ أَوْ لِيُزَوِّجَهَا صِدِّيقًا لَهُ فَهُنَا تَحِلُّ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ مَنْ قَصَدَ تَزَوُّجَهَا بِهِ، فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ الزَّوْجَ لِمَعْنًى فِيهِ، وَأَمَّا الَّذِي قَصَدَ بِالْقَتْلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ إمَّا بِمُوَاطَأَتِهَا أَوْ غَيْرِ مُوَاطَأَتِهَا فَهَذَا يُشْبِهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ مَا لَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقِيَ فِيهَا شَيْئًا فَإِنَّ التَّخْلِيلَ لَمَّا حَصَلَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْ تَخَلَّلَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ حَلَّتْ، وَكَذَلِكَ هَذَا الرَّجُلُ لَوْ مَاتَ بِدُونِ هَذَا الْقَصْدِ حَلَّتْ، فَإِذَا قَتَلَهُ لِهَذَا الْقَصْدِ أَمْكَنَ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ مَعَ حِلِّهَا لِغَيْرِهِ، وَيُشْبِهُ هَذَا الْحَلَالَ إذَا صَادَ الصَّيْدَ وَذَبَحَهُ لِحَرَامٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحْرِمِ وَيُحَلَّلُ لِلْحَلَالِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّ الْقَاتِلَ يَمْنَعُهُ الْإِرْثَ وَلَمْ يَمْنَعْ غَيْرَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute