للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالُ الرَّجُلِ تَتَطَلَّعُ عَلَيْهِ نُفُوسُ الْوَرَثَةِ كَانَ الْقَتْلُ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يُقْصَدُ. إذْ الْتِفَاتُ الرَّجُلِ إلَى امْرَأَةِ غَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْتِفَاتِ الْوَارِثِ إلَى مَالِ الْمَوْرُوثِ قَلِيلٌ فَكَوْنُهُ يَقْتُلُهُ لِيَتَزَوَّجَهَا أَقَلَّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَشْرَعْ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَتَلَ رَجُلًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ كَمَا يُمْنَعُ مِيرَاثُهُ، فَإِذَا قَصَدَ التَّزَوُّجَ فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةٌ لِحِكْمَةٍ فِيهِ فَيُعَاقَبُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. فَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي رَدِّ هَذَا أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُحَرَّمَةَ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تُفِيدُ الْحِلَّ كَذَبْحِ الصَّيْدِ وَتَحْلِيلِ الْخَمْرِ وَالتَّذْكِيَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَلَّلِ، أَمَّا الْمُحَرَّمُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَذَبْحِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ، أَوْ يُقَالُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَشْرُوعَ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ كَالذَّكَاةِ وَالْقَتْلِ لَمْ يَشْرَعْ لِحِلِّ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا انْقِضَاءُ النِّكَاحِ بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَحَصَلَ الْحِلُّ ضِمْنًا وَتَبَعًا.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِ هَذَا أَنَّ قَتْلَ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحَقِّ الْآدَمِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ لِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ حَلَّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَالْمُحَرَّمُ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ تَفْوِيتُ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِ لَا إزْهَاقُ الرُّوحِ.

ثُمَّ يُقَالُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الذَّبْحِ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَبْحِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا أَنَّهُ ذَكِيٌّ كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَفِيهِ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَشْهُورُ فِي ذَبْحِ الْغَنَمِ الْمَنْهُوبَةِ.

وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَضَافَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَبَحَتْ لَهُ الشَّاةَ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِدُونِ إذْنِ أَهْلِهَا فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَطْعِمُوهَا لِلْأُسَارَى وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْبُوحَ بِدُونِ إذْنِ أَهْلِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ الْمَذْبُوحُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ لِحَرَامٍ حَرُمَ عَلَى الْحَرَامِ دُونَ الْحَلَالِ، وَقَدْ نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا قَالَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا يَعْنِي لَهُ قُلْت لِأَبِي فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ تُؤْكَلُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَى الذَّابِحِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْأَكْلِ لَمْ يَخُصَّ الذَّابِحَ بِالتَّحْرِيمِ.

فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِي الْحَقِيقَةِ حُجَّةٌ لِتَحْرِيمِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْقَاتِلِ لِيَتَزَوَّجَهَا دُونَ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>