للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْحِيَلَ نَوْعَانِ: أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ. وَالْأَقْوَالُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ أَحْكَامِهَا الْعَقْلُ، وَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَصْدُ. وَتَكُونُ صَحِيحَةً تَارَةً وَهُوَ مَا تَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ فَأَفَادَ حُكْمَهُ.

وَفَاسِدَةً أُخْرَى وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ وَرَفْعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَهَذَا الضَّرْبُ إذَا قَصَدَ بِهِ الِاحْتِيَالَ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ أَمْكَنَ إبْطَالُهُ إمَّا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَإِمَّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُبْطِلُ مَقْصُودَ الْمُحْتَالِ بِحَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا حَكَمَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَاقِ الْعَارِ وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حَقًّا لِلْمُقِرِّ وَعَلَيْهِ وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ حُرٌّ.

وَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَإِنْ اقْتَضَتْ الرُّخْصَةَ لِلْمُحْتَالِ لَمْ يَحْصُلْ كَالسَّفَرِ لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ تَحْرِيمًا عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَإِنْ اقْتَضَتْ حِلًّا عَامًّا إمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَاسِطَةِ زَوَالِ الْمِلْكِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ، وَذَبْحِ الصَّيْدِ لِلْحَلَالِ وَذَبْحِ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ.

وَبِالْجُمْلَةِ إذَا قَصَدَ بِالْفِعْلِ اسْتِبَاحَةَ مُحَرَّمٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ، وَإِنْ قَصَدَ إزَالَةَ مِلْكِ الْغَيْرِ لِتَحِلَّ فَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ حَلَّ لِغَيْرِهِ، وَهُنَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا هُنَا.

وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ احْتِيَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ فَهِيَ لَا تَمْشِي غَالِبًا إلَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفُرْقَةَ تَتَنَجَّزُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ أَوْ يَقُولُ بِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ بِهَا النِّكَاحُ، إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا إنَّمَا ارْتَدَّتْ لِذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَتَكُونُ مُرْتَدَّةً مِنْ حَيْثُ الْعُقُوبَةُ وَالْقَتْلُ غَيْرَ مُرْتَدَّةٍ مِنْ جِهَةِ فَسَادِ النِّكَاحِ، حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ أَوْ قُتِلَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ اسْتَحَقَّ الْمِيرَاثَ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِأَسْبَابٍ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ وَطِئَهَا أَوْ أَحْرَمَتْ، لَكِنْ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ أَنَّهَا إنَّمَا ارْتَدَّتْ لِفَسْخِ النِّكَاحِ لَمْ يُقْبَلْ هَذَا، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ يَجْعَلُ هَذَا ذَرِيعَةً إلَى عَوْدِ نِكَاحِ كُلِّ مُرْتَدَّةٍ بِأَنْ تُلَقَّنَ إنِّي إنَّمَا ارْتَدَدْت لِلْفَسْخِ؛ وَلِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا مُرْتَدَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>