للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينِهِ بِالضَّرْبِ بِالضِّغْثِ وَقَدْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ ضَرَبَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْحِيلَةِ فَنَحْنُ نَقِيسُ سَائِرَ الْبَابِ عَلَى هَذَا.

قُلْنَا: أَوَّلًا: لَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ فِي مُوجَبِ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي شَرْعِنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدِهِمَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ مُوجَبُهَا الضَّرْبُ مَجْمُوعًا أَوْ مُفَرَّقًا، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ مَعَ الْجَمِيعِ الْوُصُولَ إلَى الْمَضْرُوبِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُتْيَا مُوجَبَ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا بِحِيلَةٍ إنَّمَا الْحِيلَةُ أَنْ يَصْرِفَ اللَّفْظَ عَنْ مُوجَبِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مُوجَبَهُ الضَّرْبُ الْمُفَرَّقُ فَإِذَا كَانَ هَذَا مُوجَبُ شَرْعِنَا لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ عَلَيْنَا بِمَا يُخَالِفُ شَرْعَنَا بِخِلَافِهِ.

وَقُلْنَا: ثَانِيًا: مَنْ تَأَمَّلَ الْآيَةَ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا خَاصَّةُ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَامَّةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لَمْ يُخَفِّفْ عَلَى نَبِيٍّ كَرِيمٍ مُوجَبَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي اقْتِصَاصِهَا عَلَيْنَا كَبِيرُ عِبْرَةٍ، فَإِنَّمَا يَقُصُّ مَا خَرَجَ عَنْ نَظَائِرِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهِ، أَمَّا مَا كَانَ مُقْتَضَى الْعِبَارَةِ وَالْقِيَاسِ فَلَا يَقُصُّ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ قَالَ عَقِيبَ هَذِهِ الْفُتْيَا {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: ٤٤] وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَفْتَاهُ بِهَذَا جَزَاءً لَهُ عَلَى صَبْرِهِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَرَحْمَةً بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مُوجَبُ هَذِهِ الْيَمِينِ.

وَقُلْنَا: ثَالِثًا: مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَفْتَاهُ بِهَذَا لِئَلَّا يَحْنَثَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَكَمَا قَدْ نَقَلَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةَ سَوْطٍ لَمَّا تَمَثَّلَ لَهَا الشَّيْطَانُ وَأَمَرَهَا بِنَوْعٍ مِنْ الشِّرْكِ لَمْ تَفْطِنْ لَهُ لِتَأْمُرَ بِهِ أَيُّوبَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ بَلْ لَيْسَ فِي الْيَمِينِ إلَّا الْبِرُّ أَوْ الْحِنْثُ كَمَا هُوَ فِي النَّذْرِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ فِي شَرِيعَتِنَا، وَكَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ نَذَرَ ضَرْبَهَا.

وَهُوَ نَذْرٌ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>