يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهَا. وَلَا يَغْبِنُ عَنْهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ تَكْفِيرَ النَّذْرِ فَرْعُ تَكْفِيرِ الْيَمِينِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مَشْرُوعًا فَذَاكَ أَوْلَى، وَالْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ يُحْتَذَى بِهِ حَذْوَ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، فَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ فِي الْحَدِّ يَجِبُ تَفْرِيقُهُ إذَا كَانَ الْمَضْرُوبُ صَحِيحًا وَيُضْرَبُ بِعُثْكُولِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ مَرِيضًا مَأْيُوسًا مِنْهُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ. أَوْ مَرِيضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازَ أَنْ يُقَامَ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ مَقَامَ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَتْ امْرَأَةُ أَيُّوبَ امْرَأَةً ضَعِيفَةً وَكَرِيمَةً عَلَى رَبِّهَا فَخَفَّفَ عَنْهَا الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ بِجَمْعِ الضَّرَبَاتِ كَمَا يُخَفِّفُ عَنْ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ جَاءَتْ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الثُّلُثُ، أَقَامَ فِي النَّذْرِ الثُّلُثَ مَقَامَ الْجَمِيعِ كَمَا أُقِيمَ مَقَامُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي إخْرَاجِ الْجَمِيعِ مِنْ الضَّرَرِ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِيمَنْ نَذَرَتْ الْحَجَّ مَاشِيَةً أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ، إقَامَةً لِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ مَقَامَ تَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ بِشَاةٍ، إقَامَةً لِذَبْحِ الشَّاةِ مَقَامَ ذَبْحِ الِابْنِ كَمَا شَرَعَ ذَلِكَ لِلْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَرْبَعٍ بِأَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعَيْنِ إقَامَةً لِأَحَدِ الْأُسْبُوعَيْنِ مَقَامَ طَوَافِ الْيَدَيْنِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فَكَانَتْ قِصَّةُ أَيُّوبَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَغَيْرُ مُسْتَكْثَرٍ فِي وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يُخَفِّفَ اللَّهُ الشَّيْءَ عِنْدَ الْمَشَقَّةِ بِفِعْلِ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي الْإِبْدَالِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي شَرِيعَتِنَا؛ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَخْفِيفِ الضَّرْبِ، وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَأَقْصَى مَا عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي نَذَرَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُبَاحِ أَوْ يُقَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ خُصُوصًا فِي الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا إلَى عُرْفِ الْخِطَابِ شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا إلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute