للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُوَاطَأَةٌ عَلَى عَوْدِ السِّلْعَةِ إلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى إعَادَةِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي بِعَقْدٍ آخَرَ.

وَهَذَا بَيْعٌ مَقْصُودٌ وَشِرَاءٌ مَقْصُودٌ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ الرَّجُلِ بَيْعًا بَتَاتًا لَيْسَ فِيهِ مُوَاطَأَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَلَا عُرْفِيَّةٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَلَا قَصْدَ لِذَلِكَ ثُمَّ ابْتَاعَ مِنْهُ لَجَازَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ أَوْ عُرْفٍ فَهُنَاكَ لَا يَكُونُ الْأَوَّلُ بَيْعًا وَلَا الثَّانِي شِرَاءً مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَتَاتٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ، وَإِذَا كَانَ قَصْدُهُ الشِّرَاءَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَذَكَرْنَا أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ فَهَذَا بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْهُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ وَذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ الْبَيْعَ الشَّرْعِيَّ فَحَيْثُ وَقَعَ فِيهِ مَا يُفْسِدُهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا. وَبَيَّنَّا أَنَّ الْعُقُودَ مَتَى قُصِدَ بِهَا مَا شُرِعَتْ لَهُ لَمْ تَكُنْ حِيلَةً قَالَ الْمَيْمُونِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ احْتَالَ لِإِبْطَالِهَا هَلْ تَجُوزُ تِلْكَ الْحِيلَةُ؟ قَالَ نَحْنُ لَا نَرَى الْحِيلَةَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ قُلْت أَلَيْسَ حِيلَتُنَا فِيهَا أَنْ نَتْبَعَ مَا قَالُوا وَإِذَا وَجَدْنَا لَهُمْ قَوْلًا فِي شَيْءٍ اتَّبَعْنَاهُ؟ قَالَ: بَلَى هَكَذَا هُوَ قُلْت وَلَيْسَ هَذَا مِنَّا نَحْنُ بِحِيلَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ؛ فَبَيَّنَ أَحْمَدُ أَنَّ اتِّبَاعَ الطَّرِيقِ الْجَائِزَةِ الْمَشْرُوعَةِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْحِيلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَلَا يُسَمَّى حِيلَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ سُمِّيَ فِي اللُّغَةِ حِيلَةً.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَقْسَامِ الْحِيَلِ وَأَحْكَامِهَا فِي الْوَجْهِ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَقْصِدُ بِهِ الْعَاقِدُ مَقْصُودَهُ الشَّرْعِيَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ مُبَاحٍ. بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَ مَا يُنَافِي الْمَقْصُودَ الشَّرْعِيَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: الِاحْتِيَالُ أَمْرٌ بَاطِنٌ فِي الْقَلْبِ وَنَحْنُ قَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَقْبَلَ مِنْ النَّاسِ عَلَانِيَتَهُمْ وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا نَشُقَّ بُطُونَهُمْ، فَمَتَى رَأَيْنَا عَقْدَ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ هِبَةٍ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى سَرَائِرَهُمْ. قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَلْقَ أُمِرُوا أَنْ يَقْبَلَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا يُظْهِرُهُ دُونَ الِالْتِفَافِ إلَى بَاطِنٍ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَأَمَّا مُعَامَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ وَالسَّرَائِرِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. فَمَنْ أَظْهَرَ قَوْلًا سَدِيدًا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ قَصَدَ بِهِ حَقِيقَتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>