للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهِدَايَةِ، إلَّا أَنْ يَلْجَأَ إلَى رُكْنِ الِاتِّبَاعِ الصِّرْفِ، غَيْرَ جَائِلٍ فِي أُخْتَيْهِ وَهُوَ لَعَمْرُ اللَّهِ الرُّكْنُ الشَّدِيدُ وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، لَكِنْ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] ، وَمَنْ حَقَّقَهُ انْجَلَتْ عَنْهُ الشُّبُهَاتُ الَّتِي عَدَّهَا قَاطِعَةً مَنْ خَالَفَ السَّابِقِينَ فِي تَعْمِيمِ التَّصْوِيبِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ وَرَدَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى إلَى ظُنُونِ الْمُسْتَدِلِّينَ، وَاعْتِقَادَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.

وَأَشْكَلَ مِنْ هَذَا إذَا أَوْجَبَ فِعْلَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ لِانْدِرَاجِهِ فِي قَضِيَّةٍ نَوْعِيَّةٍ، لَا لِنَفْسٍ بِعَيْنِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ، يَعْتَقِدُ عَدْلَهُمَا فَيَقُولُ الْكَلَامِيُّ الظَّاهِرِيُّ الزَّاعِمُ التَّحْقِيقَ، الْحَاكِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ هَذَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَادِقَيْنِ أَوْ كَاذِبَيْنِ، وَإِذَا فَعَلَ هَذَا فَهُوَ فَاعِلٌ لِحُكْمِ اللَّهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَالَ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا غَلَطٌ، فَهَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْخَطَإِ هَذَا لَا يَكُونُ مِنْ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، لَكِنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَبْدِ اجْتِنَابَ الْخَطَإِ يَشُقُّ عَلَى الْخَلْقِ، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] . بَلْ قَدْ يَعْجِزُ الْخَلْقُ عَنْ اجْتِنَابِ الْخَطَإِ فَعَفَا عَنْ الْخَطَإِ كَمَا نَطَقَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَا بِهِ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ ".

وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ قَدْ فَعَلْت وَهُوَ قَوْلُهُ: {لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] .

فَإِنَّهُ إنَّمَا رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْخَطَإِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَمَرَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمَرْضِيِّ. كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَإِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ عَدْلٌ لَمْ يَنْهَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعَيْنِهِ، فَيَجْتَمِعُ الْأَمْرُ بِالْحُكْمِ بِكُلِّ عَدْلٍ، وَعَدَمُ النَّهْيِ عَنْ هَذَا الْمُعَيَّنِ فَيَحْكُمُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لَا عَلَى التَّعْيِينِ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَكَانَ مَعْذُورًا فِي أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ فَهُوَ لَا يُؤَاخِذُهُ وَيُثِيبُهُ ثَوَابَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لَا ثَوَابَ مَنْ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَلِهَذَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ وَيُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَلَوْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ كَمَا أُمِرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَلَا ضَمَانًا.

يُوَضِّحُ هَذَا: أَنَّ اعْتِقَادَهُ أَنَّ هَذَا عَدْلٌ هُوَ طَرِيقٌ يُؤَدِّي بِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُهُ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا مَالٌ فِي كِيسٍ. فَأَدَّاهُ وَقَدْ وَجَبَ أَدَاءُ عَيْنِهِ لَا لِوُجُوبِ عَيْنِهِ لَكِنْ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَإِذَا تَبَيَّنَ زَيْفًا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>