للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ طَرِيقًا لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ. كَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْحَاكِمِ وَالْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَلَا دَاخِلًا فِي نَوْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ إذَا كَانَ خَطَأً.

فَإِنَّ اللَّهَ مَا أَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَيْنِ هَذَا الِاعْتِقَادِ بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الْعَدْلِ، وَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي أَدَاءِ هَذَا الْأَمْرِ إلَّا بِاعْتِقَادِهِ، فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْعَمَلِ بِالِاعْتِقَادِ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ، كَمَا لَا يُنْهَى الْقَاضِي عَنْ أَدَاءِ مَا فِي الْكِيسِ، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُطْلَقٌ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ. كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُطْلَقِ. فَإِنَّ دَيْنَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْعَبْدِ، وَالدُّيُونُ الثَّابِتَةُ فِي الذِّمَمِ لَا تَثْبُتُ إلَّا مُطْلَقَةً. لَكِنَّهَا إذَا أُدِّيَتْ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا مُعَيَّنَةً مُشَخَّصَةً، فَإِنَّ مُعْتِقَ الرَّقَبَةِ لَا يُعْتِقُ إلَّا رَقَبَةً مُعَيَّنَةً، وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي لَا يُؤَدِّي إلَّا صَلَاةً مُعَيَّنَةً، وَهُوَ مُمْتَثِلٌ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْمُعَيَّنِ هَذَا هُوَ الْفَرْضُ، وَيُقَالُ لِلْمَالِ الْمُوَفَّى هَذَا حَقُّك الَّذِي كَانَ عَلَيَّ لِمَا بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَعْقُولَةِ وَالْحَقِيقَةِ الْمُوجَدَةِ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالْمُطَابَقَةِ.

وَحَيْثُ كَانَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ مِلْكِ الْمِثْلِ الْمَعْقُولَةِ الْمُطْلَقَةِ، كَمَا يُقَالُ فَعَلْتَ مَا كَانَ فِي نَفْسِي وَحَصَلَ الْأَمْرُ الَّذِي كَانَ فِي ذِهْنِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الْوَاجِبَ قَدْ يَقْدِرُ الْمُكَلَّفُ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ لَا يَقْدِرُ فَالْأَوَّلُ: مِثْلُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى عِتْقِ عِدَّةِ رِقَابٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ بَدَلًا عَنْ الْأُخْرَى. وَكَمَا يَقْدِرُ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى الصَّلَاةِ بِهَذَا الْوُضُوءِ وَبِوُضُوءٍ آخَرَ. وَيَقْدِرُ الْمَأْمُومُ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ هَذَا الْإِمَامِ وَخَلْفَ إمَامٍ آخَرَ. فَيَكُونُ انْتِقَالُهُ مِنْ مُعَيَّنٍ إلَى مُعَيَّنٍ مُفَوَّضًا إلَى اخْتِيَارِهِ. لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَيْنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ بَيْنَ أَنْوَاعٍ كَالْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ بِالْأَدَاءِ، فَإِنَّ انْتِقَالَهُ فِي وُجُوبِ التَّخْيِيرِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ هُوَ بِحُكْمِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّ الْخِطَابَ الشَّرْعِيَّ سَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ، وَانْتِقَالَهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ هُوَ بِحُكْمِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا أُذِنَ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ.

وَالثَّانِي: مِثْلُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ إلَّا هَذِهِ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ، وَبِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَا طَهُورَ إلَّا مَاءٌ فِي مَحَلٍّ، فَهُنَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ. لَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ. فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُوجِبْ إلَّا رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَاءً مُطْلَقًا لَكِنْ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ إلَّا بِهَذَا الْمُعَيَّنِ فَصَارَ يَقِينُهُ لِعَجْزِ الْعَبْدِ عَنْ غَيْرِهِ. لَا لِاقْتِضَاءِ الشَّارِعِ لَهُ. فَلَوْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>