للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْتَقِدُ الْمَجْرُوحَ عَدْلًا فَيَكُونُ قَدْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ الْعَدْلُ قَدْ أَخْطَأَ فَيَكُونُ دَلِيلُهُ قَدْ أَخْطَأَ لَا هُوَ. الثَّالِثَةُ: اعْتِقَادُهُ وَهُوَ اعْتِقَادُ مَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَدِلَّةُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الشُّهُودُ، وَلِهَذَا إذَا تَبَيَّنَ كُفْرَ الشُّهُودِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ تَبَيَّنَ غَلَطُهُمْ بِرُجُوعِهِمْ مَثَلًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ صَحِيحًا وَالشَّاهِدُ عَدْلًا كَانَ مَأْمُورًا فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَحْكُمَ بِعَيْنِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ فَاسِدًا وَالشَّاهِدُ فَاسِقًا وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا عَدْلًا فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ كَمَنْ رَأَى مَنْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَقَتَلَهُ فَكَانَ مُسْلِمًا.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اخْتَلَفَتْ فَأَخَذَ الرَّجُلُ بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ آخَرُ بِحَدِيثٍ ضِدِّهِ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَأْخُذَ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا يَقُولَ لِمَنْ خَالَفَهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ إذَا أَخَذَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا أَخَذْت بِهِ أَنَا وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحَةً، فَأَخَذَ بِهَا رَجُلٌ وَأَخَذَ آخَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتَجَّ بِالشَّيْءِ الضَّعِيفِ، كَانَ الْحَقُّ فِيمَا أَخَذَ بِهِ الَّذِي احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَخْطَأَ الْآخَرُ فِي التَّأْوِيلِ، مِثْلُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ فَهَذَا عِنْدِي مُخْطِئٌ وَالْحَقُّ مَعَ مَنْ ذَهَبَ إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ رُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحِ، وَإِذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ، وَاحْتَجَّ بِهِ رَجُلٌ أَوْ حَاكِمٌ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَدْ أَخْطَأَ التَّأْوِيلَ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ رُدَّ إلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ آخَرُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ، وَهَكَذَا قَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ، وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِحُكْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَخْطَأَ أَمْ أَصَابَ، وَلَكِنْ إنَّمَا كَانَ رَأْيًا مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>