الْمَالَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فِي الْبَاطِنِ، وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ وَإِنَّمَا أُدْخِلَ فِيهِ مَنْ أَخْطَأَ الْحُكْمَ النَّوْعِيَّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: بَلْ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَإِ الْمَغْفُورِ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِالتَّمَسُّكِ بِالْمَنْسُوخِ قَبْلَ الْبَلَاغِ أَوْ بِالدَّلَالَةِ الْمُعَارَضَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمُعَارِضِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْحَاكِمَ بِقَبُولِ هَذَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ كُلِّ عَدْلٍ فَدَخَلَا فِي الْعُمُومِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَرُدَّ شَهَادَةً بِاللَّفْظِ الْعَامِّ هَذَا الْمُعَيَّنِ، لَكِنَّهُ يَعْذِرُ الْحَاكِمَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ يَعْلَمُ بِهِ عَدَمَ إرَادَةِ هَذَا الْمُعَيَّنِ، فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَمَا مِنْ صُورَةٍ تُفْرَضُ إلَّا وَتَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ، فَإِنَّ مِنْ الْأُصُولِ الْمُكَرَّرَةِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ حَكَمَ بِنَصٍّ عَامٍّ. كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَرْكِ مُخَصِّصِهِ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُخَصِّصُ بَعْدَ ذَلِكَ نُقِضَ حُكْمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَرَضَ الْإِدْرَاكَ مُبْعَدًا، وَهَذَا «أَبُو السَّنَابِلِ أَفْتَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ بِأَنْ تَعْتَدَّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا اسْتِعْمَالًا لِآسَى الْمَوْتِ وَالْحَمْلِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ» ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ وَهُمَا مِمَّنْ لَا يُشَكُّ فِي وُفُورِ فَهْمِهِمَا وَدِينِهِمَا قَدْ أَفْتَيَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَبَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَخْطَأَ. فَعُلِمَ إطْلَاقُ الْخَطَإِ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ خِطَابٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَبُو السَّنَابِلِ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ إمَّا لِقُصُورِهِ أَوْ لِتَقْصِيرِهِ. حَيْثُ اجْتَهَدَ مَعَ قُرْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ بِجُمْلَةِ كَوْنِ الْمُجْتَهِدِ مَعْذُورًا إمَّا لِعَجْزِهِ عَنْ سَمَاعِ الْخِطَابِ، أَوْ عَنْ فَهْمِهِ، أَوْ مَشَقَّةِ أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِعَدَمِ تَيْسِيرِ اللَّهِ أَسْبَابَ ذَلِكَ. أَوْ لِعَارِضٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحَقِّ الْبَاطِنِ، وَلَا يُوجِبُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلَهُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِعَيْنِهِ أَوْ أَبَاحَهُ بِعَيْنِهِ، بَلْ أَوْجَبَ أَمْرًا مُطْلَقًا أَوْ أَبَاحَ أَمْرًا مُطْلَقًا، وَالْمُجْتَهِدُ مَعْذُورٌ بِاعْتِقَادِ أَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ.
فَإِذًا مَنْشَأُ الْخَطَإِ إدْخَالُ الْمُعَيَّنِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ قَدْ لَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute