يُشَارِطُوا لَهَا فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُبْطِلًا لَهُ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ كَتَوْقِيتِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغُرُورُ مِنْ الزَّوْجِ فَقَطْ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الْوَلِيِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ لَهَا وَحْدَهَا أَوْ لَهَا وَلِلْوَلِيِّ، إذْ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ عَلَيْهَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ أَكْثَرُ مِنْ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ عَلَى الْوَلِيِّ. وَإِذَا تَأَمَّلْت حَقِيقَةَ التَّأَمُّلِ وَجَدْت الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِأَنْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَغْرُورِ أَلْبَتَّةَ. فَإِنَّهَا لَا تَأْثَمُ بِمَا فَعَلَتْهُ وَيَحِلُّ لَهَا مَا انْتَفَعَتْ بِهِ مِنْ نَفَقَةٍ، وَتَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ لَا سِيَّمَا إذَا أَوْجَبَا الْمُسَمَّى، كَظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمُوَافِقِ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَمَا وَرَدَ بِهِ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «فَلَهَا مَا أَعْطَاهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا»
فِي قِصَّةِ الْمُزَوَّجَةِ بِلَا وَلِيٍّ، وَكَمَا قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِقَصْدِهِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَغْرُورَةِ مَا دَامَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ، وَأَيُّ وَقْتٍ عَلِمَتْ كَانَ عِلْمُهَا بِمَنْزِلَةِ تَطْلِيقٍ مُوجِبٍ لِمُفَارَقَتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ فُرْقَتَهُ قَدْ تَحْصُلُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، نَعَمْ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي مَا تَزَوَّجَتْ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ. فَمَا مِنْ ضَرَرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا وَمِثْلُهُ ثَابِتٌ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَإِنْ عُدَّ فَهُوَ مِمَّا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُ الْحَاكِمِينَ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَحْذُورٍ يَخَافُ وُقُوعَهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِذَا اسْتَبَانَ هَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّمَا نَحْكُمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ، إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ ثَابِتًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَالُ أَتُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ أَوْ التَّحْرِيمَ الظَّاهِرَ إنْ أَرَدْت بِهِ الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا هُوَ عَلَى الزَّوْجِ وَحْدَهُ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، لَكِنْ انْتَفَى حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِفَوَاتِ الْمَشْرُوطِ.
فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ عَلِمَتْ بِهَذَا الْقَصْدِ لَحَرُمَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ التَّحْرِيمُ الْبَاطِنُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَاطِنِ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَفَسَدَ فِي الظَّاهِرِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ ظَاهِرًا، فَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ تَحْرِيمٍ مِنْ الْفَسَادِ مَا يُنَاسِبُهُ فِي مَحَلِّهِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَإِنْ أَرَدْت بِهِ التَّحْرِيمَ الظَّاهِرَ أَوْ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الشَّرْطُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute