للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَسَادِ، بَلْ قَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي صُوَرِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ لَا يَأْثَمُ وَلَوْ سُلِّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ صَحِيحٌ؛ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ فَقَطْ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَاسَهُ عَلَى صُورَةِ الْمُصَرَّاةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ انْتِفَاعَ الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ التَّصْرِيَةِ وَالتَّدْلِيسِ حَلَالٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ الْعِوَضَ، إذَا كَانَ ظَالِمًا كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْلُولَةِ، إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ فَإِنَّ الْمَظْلُومَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْبَدَلِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ حَلَالًا، وَالْغَاصِبُ الظَّالِمُ لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَنَظَائِرُهَا كَثِيرَةٌ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّة الْعَقْدِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُبِيحَ لِعَوْدِهَا إلَى الْأَوَّلِ هُوَ مَا كَانَ صَحِيحًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونِ الْآخَر، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَنْعُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ مَعِيبَةً مُدَلِّسَةً لِلْعَيْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى طَلَّقَهَا، أَوْ نَكَحَ الْمَعِيبُ صَحِيحَةً مُدَلِّسًا لِعَيْبٍ وَلَمْ تَعْلَمْ بِعَيْبِهِ حَتَّى طَلَّقَهَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا بِهَذَا النِّكَاحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا قَوِيٌّ عَلَى أَصْلِنَا.

فَإِنَّا نَقُولُ لَوْ وَطِئَهَا وَطْئًا مُحَرَّمًا بِحَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صِيَامٍ لَمْ يُبِحْهَا لِلْأَوَّلِ فِي الْمَنْصُوصِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَإِذَا اعْتَبَرْنَا حِلَّ الْوَطْءِ فَهَذِهِ الْعَادَةُ لَا يَحِلُّ لَهَا الِاسْتِمْتَاعُ لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَطْءِ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ تَدْلِيسِ الْعَيْبِ التَّحْرِيمُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَهَا فِي حَالَةِ مَرَضٍ شَدِيدٍ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْجَوَابُ فَيَكْفِي الْجَوَابُ الْأَوَّلُ.

وَأَمَّا إذَا بَاعَ سِلْعَةً لِمَنْ نِيَّتُهُ أَنْ يُعْصَى بِهَا، وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ النِّيَّةَ فَمَا دَامَ عَدَمُ هَذَا الْعِلْمِ مُسْتَصْحَبًا فَلَا إشْكَالَ، وَإِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِقَصْدِ الْمُشْتَرِي فَمَنْ الَّذِي سَلَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ اسْتِرْجَاعُ الْمَبِيعِ وَرَدُّ الثَّمَنِ، لَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَوْ سَلِمَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَوْ سَلِمَ أَنَّ نِيَّةَ الْمُشْتَرِي إذَا تَغَيَّرَتْ لَمْ تَحْتَجْ إلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ، فَالْفَرْقُ مَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَمْ يُنَافِ نَفْسَ الْعَقْدِ.

فَإِنَّ قَصْدَ التَّحْلِيلِ قَصْدٌ لِرَفْعِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لَهُ، وَهُنَا الْقَصْدُ قَصْدُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ، وَهَذَا الْقَصْدُ مُسْتَلْزِمٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ لَا لِفَسْخِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِنِيَّةِ يَأْتِيهَا فِي الْمَحَلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>