للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَكْرُوهِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَفْعَلَ فِي مِلْكِهِ مُحَرَّمًا، فَالْبَائِعُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْبَيْعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْبَائِعُ بَائِعٌ غَيْرَهُ بَيْعًا ثَابِتًا، وَذَلِكَ الْغَيْرُ اشْتَرَى شِرَاءً ثَابِتًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعِينَ غَيْرَهُ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ مَعْصِيَةً، وَقَصْدُهُ لَمْ يُنَافِ الْعَقْدَ وَلَا مُوجَبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ حَرَامًا تَحْرِيمًا لَا يَخْتَصُّ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ بِمَا قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، لَوَجَبَ مَنْعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَرُمَتْ إعَانَتُهُ.

فَالْبَائِعُ إذَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُفَّهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا.

وَفِي الْجُمْلَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نَظَرٌ فَيُجَابُ عَنْهَا بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ، وَهُوَ إنْ كَانَتْ مِثْلَ مَسْأَلَتِنَا الْتَزَمْنَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلَهَا لَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَوَّغَ الْإِمْسَاكَ بِمِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ، فَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَدِيثَ عُمَرَ وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عُمَرُ قَالَ هَذَا، فَلَنْ يَقْتَضِيَ كَوْنَ مُعَقَّدٍ يَصِحُّ إذَا زَالَتْ النِّيَّةُ الْفَاسِدَةُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ وُجُودِهَا كَمَا قَدْ ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُلْحَقَ بِالْعَقْدِ إذَا حُذِفَ بَعْدَهُ صَحَّ الْعَقْدُ، وَهَذَا مِمَّا يُسَوَّغُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ.

وَأَمَّا صِحَّةُ عَقْدِ الْمُحَلِّلِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمْ يُنْقَلْ لَا عَنْ عُمَرَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَالْمُحَلِّلُ هُنَا الَّذِي يَجْعَلُ الشَّيْءَ حَلَالًا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِثْلُ مُحَسِّنٍ وَمُقَبِّحٍ وَمُعَلِّمٍ وَمُذَكِّرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مُحَلِّلًا مَلْعُونًا وَالْآخَرُ مُحَلَّلًا لَهُ مَلْعُونًا. قُلْنَا: هَذَا سُؤَالٌ لَا يَحِلُّ إيرَادُهُ، أَتَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَلْعَنُ مَنْ جَاءَ إلَى شَيْءٍ مُحَرَّمٍ فَصَارَ بِفِعْلِهِ حَلَالًا عِنْدَ اللَّهِ» كَلًّا وَلَمَّا، كَيْفَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» ، «وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فَإِنْ كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْ يَحْمَدُهُ وَيَدْعُو لَهُ أَوْلَى مِنْهُ بِمَنْ يَلْعَنُهُ وَيَذُمُّهُ. ثُمَّ هُوَ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْمُحَلِّلِ مَنْ جَعَلَ الشَّيْءَ حَلَالًا فِي الْحَقِيقَةِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ نَكَحَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مُحَلِّلًا وَلَمَا كَانَ مَلْعُونًا وَهَذَا بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>