للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ فِعْلَهُ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا لِأَجْلِ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَامْتَنَعَ أَنْ يَصِيرَ الْفَرْجُ الْمُحَرَّمُ حَلَالًا بِالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبَاحُ إلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ تُبَاحُ بِنِكَاحٍ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فِي الشَّرْعِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ النِّكَاحَ فِي الْقُرْآنِ، وَالنِّكَاحُ الْمُطْلَقُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَجْمَعُوا فِيمَا نَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْأَنْكِحَةَ الْمُحَرَّمَةَ فَاسِدَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ عَلِمْنَاهُ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ غَيْرَهُ حَرَامٌ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، هَلْ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُرُوجَ مَحْظُورَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَا تُبَاحُ إلَّا بِمَا أَبَاحَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ الْمِلْكِ، كَمَا أَنَّ اللُّحُومَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ حَرَامٌ فَلَا تُبَاحُ إلَّا بِمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ مِنْ التَّذْكِيَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ لَعَنَ الْمُحَلَّلَ لَهُ وَهُوَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ، فَلَوْ كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ وَقَدْ نَكَحَ امْرَأَةً حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَعْنُهُ عَلَى ذَلِكَ. الرَّابِعُ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ حَرَامٌ بَلْ مِنْ الْكَبَائِرِ وَجَعْلُ الْحَرَامِ حَلَالًا إذَا صَارَ حَلَالًا عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْحَدِيثَ نَصَّ فِي أَنَّ فِعْلَ الْمُحَلِّلَ حَرَامٌ وَعَوْدُهَا لِلْمُحَلَّلِ لَهُ بِهَذَا السَّبَبِ حَرَامٌ، فَيَجِبُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَالْكَفُّ عَنْهُ، وَيَكُونُ مَنْ أَذِنَ فِيهِ أَوْ فَعَلَهُ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي هُنَا، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا بِهَذَا التَّحْلِيلِ لَا يَرَى وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ حَرَامًا بَلْ يُبِيحُ نَفْسَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ وَجَعْلُهُ مُحَلِّلًا، فَلِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَنَوَاهُ وَلَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ، مَعَ أَنَّ الْحِلَّ لَا يَحْصُلُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَلِأَنَّهُ حَلَّلَ الْحَرَامَ أَيْ جَعَلَهُ يُسْتَحَلُّ كَمَا يُسْتَحَلُّ الْحَلَالُ، وَمَنْ أَبَاحَ الْمُحَرَّمَاتِ وَحَلَّلَهَا بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ يُقَالُ مُحَلِّلٌ لِلْحَرَامِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ عَلَى وَجْهِ الْحَمْدِ إلَى مَنْ فَعَلَ سَبَبًا يَجْعَلُ الشَّارِعُ الشَّيْءَ بِهِ حَلَالًا أَوْ مُحَرَّمًا.

لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّحْرِيمُ جَعْلَ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا أَيْ مَحْظُورًا، وَالتَّحْلِيلُ جَعْلُهُ مُحَلَّلًا أَيْ مُطْلَقًا، كَانَ كُلُّ مَنْ أَطْلَقَ الشَّيْءَ وَأَبَاحَهُ بِحَيْثُ يُطَاعُ فِي ذَلِكَ يُسَمَّى مُحَلِّلًا وَمِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>