قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: ٣٧] لَمَّا أَطْلَقُوهُ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ تَارَةً وَحَظَرُوهُ عَلَيْهِ أُخْرَى كَانُوا مُحِلِّينَ مُجْرِمِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] لَمَّا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْأَمَةِ أَوْ الْعَسَلِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالْحَرَامِ صَارَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} [يونس: ٥٩] وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: ١٣٩] .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْ رَبِّهِ: «إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] قَالَ: «أَمَا إنَّهُمْ مَا عَبَدُوهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ» .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْكَبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» ، وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة: ١٢١] يُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ وَيَحِلُّونَ حَلَالَهُ} ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَصَدَ أَنْ يُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ يَجْعَلُهَا فِي ظَنِّ مَنْ أَطَاعَهُ حَلَالًا وَهِيَ حَرَامٌ يُسَمَّى مُحَلِّلًا؛ لِذَلِكَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ لَعْنَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحَلِّلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِلَّ إذَا ثَبَتَ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى صَاحِبِهِ مُحَلِّلٌ، وَإِلَّا فَيَكُونُ كُلُّ نَاكِحٍ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مُحَلِّلًا، وَإِنْ نِكَاحَ رَغْبَةٍ فَيَدْخُلُ فِي اللَّعْنَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُحَلِّلَ اسْمٌ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ وَجَعَلَهَا حَلَالًا وَلَيْسَتْ بِحَلَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَلَّلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِتَدْلِيسِهِ وَتَلْبِيسِهِ وَقَصَدَ أَنْ يُحِلَّهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَاصِدًا لِلتَّحْلِيلِ، وَأَصْلُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute