للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ هُوَ مَنْ جَعَلَ الشَّيْءَ حَلَالًا وَحَرَامًا، إمَّا فِي ذَاتِهِ أَوْ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ إنَّهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَحَلَّ الشَّيْءَ إذَا أَطْلَقَهُ لِمَنْ يُطِيعُهُ.

وَحَرَّمَهُ إذَا مَنَعَ مَنْ يُطِيعُهُ مِنْهُ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يُزَكِّي فُلَانًا وَيُعَدِّلُهُ وَيُصَدِّقُهُ وَيُكَذِّبُهُ إذَا كَانَ يَجْعَلُهُ كَذَلِكَ فِي الِاعْتِقَادِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ.

وَيُقَالُ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ مُحَلِّلٌ فَصَارَ الْمُحَلِّلُ يُقَالُ لِأَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: لِمَنْ أَثْبَتَ الْحِلَّ الشَّرْعِيَّ حَقِيقَةً أَوْ إظْهَارًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] ، وَالثَّانِي: لِمَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يُحَلِّلُ الْمُتْعَةَ وَيُحَلِّلُ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ.

وَالثَّالِثُ: لِمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَكَمَا يُقَالُ السُّلْطَانُ قَدْ حَرَّمَ الْفُلُوسَ وَأَحَلَّهَا. وَالرَّابِعُ: لِمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَكُلُّ مِنْ أَثْبَتَ الْمَصْدَرَ الثُّلَاثِيَّ فِي الْوُجُودِيِّ الْعَيْنِيِّ أَوْ الْعِلْمِيِّ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ قَصَدَ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ نَعَمْ تَسْمِيَةُ الْفَرَسِ مَعَ الْفَرَسَيْنِ مُحَلِّلًا هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ قِيلَ: نَحْمِلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَرْطِ التَّحْلِيلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصٌ، فَالْمُوجِبُ لَهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْعَقْدِ مَا قَارَنَتْهُ دُونَ مَا تَقَدَّمَتْهُ كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْبَيْعِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ التَّحْلِيلَ دُونَ مَنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ظَاهِرُهَا دُونَ بَاطِنِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْعَاقِدِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى نِيَّةِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَفْتَقِرُ إلَى الشَّهَادَةِ فَلَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ لَمْ تَنْفَعْ الشَّهَادَةُ، إذَا كَانَ قَصْدُ الرَّغْبَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِيَّةِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ صَحَّ ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِيهِ كَانَ فَاسِدًا، فَعُلِمَ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ كَالشَّرْطِ، هَذَا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ التَّحْلِيلِ يَعُمُّ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ وَغَيْرَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُحَلِّلَ إنَّمَا هُوَ مَنْ شَرَطَ التَّحْلِيلَ فِي الْعَقْدِ، فَأَمَّا مَنْ نَوَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>