للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْلِيِّ الَّذِي يَعْتَمِدُ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِالْخِلَافِ الْمَنْصُوبِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا بِالْأُصُولِ فَبِالدَّلَائِلِ وَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، هَذَا وَهُوَ أَجَلُّ مَنْ يُقْرَنُ بِهِ مِنْ الْمُنَاظِرِينَ، وَعُمْدَةُ مَنْ يُسْلَكُ سَبِيلُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَأْوَهُ فِي الْعِلْمِ وَالذَّكَاءِ، وَمُقَاوَمَةِ الْخُصُومِ الْفُضَلَاءِ.

وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَالْبَاجِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ يُقَلِّدُونَ لِمَنْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمُعْتَرَفُونَ بِأَنَّهُمْ لَهُمْ مِنْ التَّلَامِذَةِ الْمُتَّبِعِينَ، لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ اسْتِيفَاءُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا النُّهُوضُ بِأَعْبَاءِ هَذَا الْحَمْلِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى فَصْلِ الْخِطَابِ فِي الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ. وَأَمَّا أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ إلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي الدِّينِ كَابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ، وَسَحْنُونٍ وَابْنِهِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، وَابْنِ وَضَّاحٍ وَغَيْرِهِمْ فَهُمْ بُرَآءُ مِنْ هَذَا النَّفْيِ وَالتَّكْذِيبِ، وَلَهُمْ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ الْأَقْوَالِ مَا يَعْرِفُهَا الْعَالِمُ اللَّبِيبُ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَقٌّ مَعْلُومٌ بِالْعَقْلِ، لَمْ يَجِبْ اعْتِقَادُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إذْ وُجُوبُ اعْتِقَادِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ بِلَا نِزَاعٍ. أَمَّا الْمُنَازِعُونَ فَهُمْ يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْوُجُوبَ كُلَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَإِنْ عَرَفَهُ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يُعْلَمْ بِالْعَقْلِ، فَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا يُعْلَمْ وُجُوبُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوْ نَظَرِهِ، وَاعْتِقَادُ كَلَامٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَفَاصِيلِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ لَا يُعْلَمُ وُجُوبُهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَلَا بِنَظَرِهِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ عَامَّةُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولِ لَمْ يَخْطِرْ بِقَلْبِهِ هَذَا النَّفْيُ الْمُعَيَّنُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ تَرْكُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ.

وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ بَعْضَ غَالِيَةِ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا النَّفْيِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ أَوْ مِنْ أَجَلِّهَا، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ، أَوْ فُرِضَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ إنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَجِبُ عَلَى الْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>