للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُفْهِمٌ أَوْ مُوهِمٌ لِنَفْيِ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَسْت أَقْصِدُ بِنَفْيِ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ نَفْيَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ وَفَوْقَ خَلْقِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُهُ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ عَلَى نَفْيِ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ بَعْدَ اسْتِفْصَالِهِ وَتَقْيِيدِ كَلَامِهِ بِمَا يُزِيلُ الِالْتِبَاسَ، وَأَمَّا إنْ تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ وَلَا فَوْقَ الْعَالَمِ، فَلْيُصَرِّحْ بِذَلِكَ تَصْرِيحًا بَيِّنًا حَتَّى يَفْهَمَ الْمُؤْمِنُونَ قَوْلَهُ وَكَلَامَهُ وَيَعْلَمُوا مَقْصُودَهُ وَمَرَامَهُ، فَإِذَا كَشَفَ لِلْمُسْلِمِينَ حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَنَّ مَضْمُونَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ رَبٌّ، وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إلَهٌ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَعْرُجُ إلَى اللَّهِ وَلَا تَصْعَدُ إلَيْهِ، وَلَا تَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّ عِيسَى لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُعْرَجْ بِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ لَا يَتَوَجَّهُونَ بِقُلُوبِهِمْ إلَى إلَهٍ هُنَاكَ يَدْعُونَهُ وَيَقْصِدُونَهُ، وَلَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَنْكَشِفُ لِلنَّاسِ حَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ وَيَظْهَرُ الضَّوْءُ مِنْ الظَّلَامِ.

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَا يَجْتَرِئُ أَنْ يَقُولَهُ فِي مَلَأٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا يَقُولُهُ بَيْنَ إخْوَانِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ إذَا اجْتَمَعُوا يَتَنَاجَوْنَ، وَإِذَا افْتَرَقُوا يَتَهَاجَوْنَ.

وَهُمْ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ الْمُحَقِّقِينَ، فَقَدْ شَابَهُوا مَنْ سَبَقَ إخْوَانَهُمْ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ - وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٣ - ١٤] إلَى قَوْلِهِ: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: ١٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: ٦٠] إلَى قَوْلِهِ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: ٦٢] .

وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ، بَلْ يَكُونُ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ، لَكِنْ يَلْتَبِسُ عَلَيْهِ أَمْرُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَصِيرَ لَهُمْ مِنْ السَّمَّاعِينَ، قَالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧] وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ الْإِفْكِ فِي عَائِشَةَ كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>