للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَارَةً بِالْمَعْنَى الْمُطَابِقِ الَّذِي يَعْلَمُ الْمُسْتَمِعُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهُمْ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ فَإِنِّي أُبَيِّنُهُ وَأُفَصِّلُهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا خَرَّجَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْ غَيْرَ تَأْوِيلِهِ.

قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مِنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ مُجْتَمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ، يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتَنِ الْمُضِلِّينَ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ، بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا فَإِنَّ هَذِهِ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُتَشَابِهَةٌ، يُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا بِوَجْهِ حَقٍّ وَيُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا بِوَجْهِ بَاطِلٍ، فَالْمُطْلِقُونَ لَهَا يُوهِمُونَ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَيَفْتَرُونَ الْكَذِبَ عَلَى أَهْلِ الْإِثْبَاتِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، كَقَوْلِ بَعْضِ قُضَاتِهِمْ لِبَعْضِ الْأُمَرَاءِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ، وَقَوْلٌ آخَرُ مِنْ طَوَاغِيتِهِمْ إنَّهُمْ يَقُولُونَ، إنَّ اللَّهَ فِي حَشْوِ السَّمَاوَاتِ، وَلِهَذَا سُمُّوا حَشْوِيَّةً إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي يَفْتَرُونَهَا عَلَى أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، ثُمَّ يَأْتُونَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ مُتَشَابِهٍ يَصْلُحُ لِنَفْيِ هَذَا الْمَعْنَى الْبَاطِلِ وَلِنَفْيِ مَا هُوَ حَقٌّ فَيُطْلِقُونَهُ فَيَخْدَعُونَ بِذَلِكَ جُهَّالَ النَّاسِ، فَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِفْصَالُ وَالِاسْتِفْسَارُ، انْكَشَفَتْ الْأَسْرَارُ. وَتَبَيَّنَ اللَّيْلُ مِنْ النَّهَارِ، وَتَمَيَّزَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ الْمُدَلِّسِينَ، الَّذِينَ لَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَكَتَمُوا الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

فَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَأَنَّهُ فَوْقَ خَلْقِهِ، لَمْ يُنَازَعْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ، لَكِنَّ لَفْظَهُ لَيْسَ بِدَالٍّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>