للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنَازَعَ النَّاسُ، فَقَالَ قَوْمٌ بِمُوجَبِ السُّنَّةِ وَقَالَ قَوْمٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ، وَتَوَقَّفَ قَوْمٌ فَأَنْكَرُوا عَلَى الْوَاقِفَةِ، كَالْوَاقِفَةِ الَّذِينَ قَالُوا لَا نَقُولُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، هَذَا مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْوَاقِفَةِ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ مُضْمِرًا لِلْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلسُّنَّةِ وَلَكِنْ يُظْهِرُ الْوَقْفَ نِفَاقًا وَمُصَانَعَةً فَمِثْلُ هَذَا مَوْجُودٌ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا مَنْصُوصًا وَلَا مُسْتَنْبَطًا، بَلْ يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُنَاقِضُهُ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً اعْتِقَادُهُ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِحْنَةً لَهُمْ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، مَا يَدُلُّ نَصًّا وَلَا اسْتِنْبَاطًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ رَبٌّ يُعْبَدُ، وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إلَهٌ يُدْعَى وَيُقْصَدُ، وَمَا هُنَاكَ إلَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ وَسَوَاءٌ سُمِّيَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلًا بِالْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ، أَوْ لَمْ يُسَمَّ، فَتَنَوُّعُ الْعِبَارَاتِ لَا يَضُرُّ إذَا عُرِفَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، كَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ حَقًّا جَائِزًا، بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ الرَّجُلُ فِيهِ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا لَمْ يُؤْمَرْ بِأَحَدِهِمَا. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيمَا يُذْكَرُ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا الْكَلَامُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ تَأْسِيسَ التَّقْدِيسِ، وَكِتَابِهِ نِهَايَةِ الْعُقُولِ فِي دِرَايَةِ الْأُصُولِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ غَايَةَ مَا يَقُولُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ مِنْ حُجَجِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وَلَا حَيِّزِ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْعَرْشِ وَلَا فَوْقَ الْعَالَمِ.

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ: " الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ ". لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ هَذَا نَفْيَ كَوْنِ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ وَكَوْنِهِ فَوْقَ الْعَالَمِ، بِحَيْثُ يُقَالُ إنَّهُ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ رَبٌّ وَلَا إلَهٌ، أَوْ مَا هُنَاكَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ وَمَا هُنَاكَ إلَّا الْعَدَمُ الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَا يَتَضَمَّنُ هَذَا الْكَلَامُ نَفْيَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ ذَلِكَ، كَانَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا وَأَنَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِي قَطُّ إثْبَاتُ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ لِلَّهِ مُطْلَقًا، حَتَّى يُقَالَ نَطْلُبُ مِنْهُ نَفْيَ مَا قَالَهُ أَوْ أَطْلَقَهُ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ كَلَامِي أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَأَلْفَاظُ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَمَنْ نَقَلَ مَذَاهِبَهُمْ أَوْ التَّعْبِيرَ عَنْ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>