للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ مَا عَلِمَ الْوَاحِدُ أَنَّهُ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَهُ، يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ مَا كَانَ مَعْلُومًا مَقْطُوعًا بِهِ بِأَدْنَى نَظَرٍ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَغَايَةُ مَا يُبَيِّنُ مَنْ يُوجِبُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ أَنَّهَا حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِهِ عَقْلِيٌّ مَعْلُومٌ بِأَدْنَى نَظَرٍ وَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا لَا يَجِبُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ حَتَّى يَعْلَمَ وُجُوبَ ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْوُجُوبُ. لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى النَّاسِ هَذَا الِاعْتِقَادَ، وَيُعَاقِبَ تَارِكِيهِ، حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ عِنْدَ مَنْ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا قَالُوهُ خَطَأٌ، مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ الصَّرِيحِ، وَلِلنَّقْلِ الصَّحِيحِ، مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَنَظَرُهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الشَّارِعَ أَخْبَرَ بِنَقِيضِهِ، وَأَوْجَبَ اعْتِقَادَ ضِدِّهِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِالْإِيمَانٍ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُجْمَلًا، مُقِرًّا بِمَا بَلَّغَهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْجُمْلَةِ، غَيْرَ جَاحِدٍ لِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِهَا، أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إذْ الْإِيمَانُ بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ تَفْصِيلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَ مَقْدُورٍ لِلْعِبَادِ، إذْ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ.

وَلِهَذَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ فِي مَقَالَاتٍ كَثِيرَةٍ لَا يُقِرُّ فِيهَا بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ لَا يَنْفِيهَا وَلَا يُثْبِتُهَا، إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ الرَّسُولَ نَفَاهَا أَوْ أَثْبَتَهَا، وَيَسَعُ الْإِنْسَانَ السُّكُوتُ عَنْ النَّقِيضَيْنِ فِي أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ بِوُجُوبِ قَوْلِ أَحَدِهِمَا.

أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ هُوَ الَّذِي قَالَهُ الرَّسُولُ دُونَ الْآخَرِ، فَهُنَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ وَكِتْمَانُهُ مِنْ بَابِ كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ وَمِنْ بَابِ كِتْمَانِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ، وَفِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ مِنْ الذَّمِّ وَاللَّعْنَةِ لِكَاتِمِهِ مَا يَضِيقُ عَنْهُ هَذَا الْمَوْضِعَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مُتَضَمِّنًا لِنَقِيضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ لَا يَتَضَمَّنُ مُنَاقَضَةَ الرَّسُولِ، لَمْ يَجُزْ السُّكُوتُ عَنْهُمَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ نَفْيُ الْقَوْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِمُنَاقَضَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَى الْوَاقِفَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>