للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنَافِقِينَ وَتَلَطَّخَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْبِدَعِ كَالرَّفْضِ وَالتَّجَهُّمِ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَتَلَوَّثَ بِبَعْضِهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكِنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ نَقْضِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ مَا شَارَكُوا فِيهِ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْبُهْتَانِ.

الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهُمْ إذَا بَيَّنُوا مَقْصُودَهُمْ كَمَا يُصَرِّحْ بِهِ أَئِمَّتُهُمْ وَطَوَاغِيتُهُمْ، مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبٌّ، وَلَا فَوْقَ الْعَالَمِ مَوْجُودٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَبِالْأَدِلَّةِ النَّظَرِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَبِالضَّرُورَةِ الْإِيمَانِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبِالنُّقُولِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ عَنْ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ، وَبِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ تَبْلُغُ مِئِينَ، وَبِالْأَحَادِيثِ الْمُتَلَقَّاتِ بِالْقَبُولِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِي جَمِيعِ الْقُرُونِ، وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَئِمَّتِهَا، وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأُمَمُ بِجِبِلَّتِهَا وَفِطْرَتِهَا، وَمَا يُذْكَرُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي يُقَالُ إنَّهَا بَرَاهِينُ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ دَلَائِلُ سَمْعِيَّةٌ، فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا بِالِاسْتِقْصَاءِ، حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ الْقَوْلِ الْهُرَاءِ فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَجَامِعِ الضَّلَالِ فِيمَا أَوْجَبُوا اعْتِقَادَهُ، لَبَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَا وَبَيَّنَّا سَدَادَهُ، لَكِنْ قَدْ أَحَلْنَا عَلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ مَكْتُوبٌ أَيْضًا فَاكْتَسَبْنَاهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ.

الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ لَفْظَ الْجِهَةِ عِنْدَ مَنْ قَالَهُ، إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ وُجُودِيًّا فَنَفْيُ الْجِهَةِ عَنْ اللَّهِ نَفْيٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ إلَّا الْعَالَمَ، فَهَذَا أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمَا فِي جَوَابِهِمْ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ دَاخِلًا فِي الْمَصْنُوعَاتِ هَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ، وَنَفْيُهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِنَا، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ عَدَمِيًّا كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَكُونُ حَيْثُ لَا مَوْجُودَ غَيْرَهُ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَالَمِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَوْجُودِ فِي الْعَدَمِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَدَمَ يَحْوِيهِ أَوْ يُحِيطُ بِهِ، إذْ الْعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا حَتَّى يُوصَفَ بِأَنَّهُ يُحِيطُ أَوْ يُحَاطُ بِهِ، بَلْ الْمَعْنَى بِذَلِكَ، أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ بِحَيْثُ لَا مَوْجُودَ غَيْرُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا قَائِمَ بِنَفْسِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ نَوْعَانِ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَقَائِمٌ بِغَيْرِهِ، فَالْقَائِمُ بِغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ يَكُونُ بِحَيْثُ يَكُونُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضَ تَقُومُ بِالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>