للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا الْمُحْدَثَ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ «وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ رَبِّهِ قَالَ يَا رَبِّ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْته هُوَ كَلَامُك قَالَ نَعَمْ يَا مُوسَى هُوَ كَلَامِي وَإِنَّمَا كَلَّمْتُك بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَلَّمْتُك عَلَى قَدْرِ مَا تُطِيقُ بِذَلِكَ وَلَوْ كَلَّمْتُك بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمِتَّ قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمِهِ قَالُوا صِفْ لَنَا كَلَامَ رَبِّك فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ قَالُوا فَشَبِّهْ قَالَ أَسْمَعْتُمْ الصَّوَاعِقَ الَّتِي تُقْبِلُ فِي أَحْلَى حَلَاوَةٍ سَمِعْتُمُوهَا» فَكَأَنَّهُ مِثْلُهُ فَقَوْله إنَّمَا كَلَّمْتُك بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ أَيْ لُغَةٍ وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا أَيْ اللُّغَاتُ كُلُّهَا وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْكَلَامَ يَكُونُ بِقُوَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَقْوَى مِنْ كَلَامٍ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتٍ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ وَبِدُونِ ذَلِكَ الصَّوْتِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ مَنْ الْقَائِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا عِيسَى وَقُلْنَا فَمَنْ الْقَائِلُ {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦] فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ تَكْلِيمِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَيْثُ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ تَكْلِيمٌ فِي الْمُسْتَقْبِلِ ثُمَّ لَمَّا قَالُوا إنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ قَالَ قُلْنَا قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَكَلَّمُ وَلَا تَحَرَّكَ وَلَا تَزُولَ مِنْ مَكَان.

فَقَدْ حَكَى عَنْهُمْ مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ نَفْيَهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَتَحَرَّكَ أَوْ يَزُولَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ثُمَّ إنَّهُ قَالَ فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَقُلْنَا كَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ فَقَدْ شَبَّهْتُمْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا فَقَدْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ فَتَعَالَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ كَانَ وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ فَعَلِمَ وَلَا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً فَهَذَا مِنْ كَلَامِهِ يُبَيِّنُ أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا كَلَامُهُ مَخْلُوقٌ أَرَادُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا حَتَّى خَلَقَ الْكَلَامَ إذْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ إذْ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْقَائِمُ بِبَعْضِ الْأَجْسَامِ فَعِنْدَهُمْ تَكَلُّمُهُ مِثْلُ بَعْضِ الْأَعْيَانِ الْمَخْلُوقَةِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَكَلِّمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>