للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ وَغَيْرِ ذَاكَ فَالْعِلْمُ أَيْضًا أَصْلُهُ وَاسْمُ الْقُرْآنِ وَالْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ هَذَا كُلَّهُ فَقَوْلُ الْقَائِلِ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ اللَّهِ هِيَ فِي الْقُرْآنِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مَخْلُوقٌ وَالْمَخْلُوقُ هُوَ الصَّوْتُ الْقَائِمُ بِبَعْضِ الْأَجْسَامِ يَكُونُ ذَلِكَ الْجِسْمُ هُوَ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ الْجِسْمِ وَصَوْتُهُ لِلَّهِ اسْمٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْمُ قَدْ نَحَلَهُ إيَّاهُ ذَلِكَ الْجِسْمُ.

وَلِهَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا، فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنِّي لَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُ الْبُوشَنْجِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ عَنْ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ جِهَتِهِ الْبَرْقَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَلْهُ غَيْرُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَانَ اللَّهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبَرْقَانِيِّ.

وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ لَفْظَهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَلِكَ وَسَمَّى نَفْسَهُ وَجَعَلَ نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَلْهُ أَحَدًا غَيْرُهُ، وَكَانَ اللَّهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَلَفْظُ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرُهُ وَكَانَ اللَّهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ.

فَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ إنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَمْ يَنْحَلْهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ اللَّهُ يَقُولُ إنِّي لَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ، الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ مَدْلُولُ الْآيَاتِ فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إنَّهُ إذَا كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا وَلَمْ يَزَلْ عَزِيزًا حَكِيمًا، وَالْحِكْمَةُ تَتَضَمَّنُ كَلَامَهُ وَمَشِيئَتَهُ كَمَا أَنَّ الرَّحْمَةَ تَتَضَمَّنُ مَشِيئَتَهُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا مَرِيدًا، وَقَوْلُهُ غَفُورًا أَبْلَغُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ غَفُورًا فَأَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا، وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ: بَلْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا وَلَا رَحِيمًا وَلَا غَفُورًا إذْ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِخَلْقِ أُمُورٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ كَانَ كَذَلِكَ.

الثَّانِي: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَمَّى نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بِهَا، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي جِسْمٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجِسْمُ هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بِهَا.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْحَلْهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>