للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَحْمَدُ فِيهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عِلْمُ اللَّهِ لِأَنَّ كَوْنَ أَسْمَاءِ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يُنَازِعَ فِيهِ، وَأَمَّا اشْتِمَالُ الْقُرْآنِ عَلَى الْعِلْمِ فَهَذَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقُرْآنَ هُوَ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجْعَلُونَ الْقُرْآنَ فِيهِ عِلْمُ اللَّهِ بَلْ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ الْكَلَامُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَالْخَبَرِ وَالطَّلَبِ وَأَنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَمَعْنَى الطَّلَبِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ، يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ مُسَمَّى الْقُرْآنِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعِلْمُ، فَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَذَكَرَ أَحْمَدُ لَفْظَ الْقُرْآنِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَوَارِدِ النِّزَاعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: ١٢٠] .

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٤٥] وَلِقَوْلِهِ: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: ٦١] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: ٣٧] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَلَّذِي جَاءَك مِنْ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إنَّمَا هُوَ مَا جَاءَهُ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَاتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَجِيءَ الْقُرْآنِ إلَيْهِ مَجِيءُ مَا جَاءَهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ مَا فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ عِلْمٌ عَظِيمٌ.

وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ عِلْمٌ عَظِيمٌ، فَأَطْلَقَ أَحْمَدُ عَلَى الْقُرْآنِ أَنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي فِيهِ عِلْمٌ هُوَ نَفْسُهُ يُسَمَّى عِلْمًا وَذَلِكَ هُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ كَمَا قَالَ: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: ٦١] فَفِيهِ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ مَا شَاءَهُ سُبْحَانَهُ لَا جَمِيعُ عِلْمِهِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَا رَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ عِلْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>