للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ يَا رَبَّ الْقُرْآنِ اغْفِرْ لَهُ فَوَثَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ مَهْ إنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَرْبُوبٍ مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ فَهَذَا الْأَثَرُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ ضِدُّ مَا رَوَوْهُ.

وَأَمَّا مَا رَوَوْهُ فَلَا يُؤْثَرُ لَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ أَصْلًا وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ» فَإِنَّ هَذَا لَا يُؤْثَرُ عَنْ النَّبِيِّ أَصْلًا وَلَكِنْ يُؤْثَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَفْسِهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِنَقْلِ الْعُدُولِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ وَمَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ أَجْمَعَ

، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي الْأَجْسَامِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ صِفَةً لِلَّهِ لَا مَخْلُوقًا لَهُ وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْأَثَرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ الْمَخْلُوقَةِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ لِأَنَّهَا هِيَ مَخْلُوقَةٌ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ مَخْلُوقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْأَئِمَّةُ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ. ذَكَرَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي يُرْوَى «مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا جَبَلٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ هَكَذَا «مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ مِمَّا خَلَقَ» .

وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ أَفَلَيْسَ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّمَا قَالَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِهِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْعَظِيمِ الْمَخْلُوقِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْحَدِيثُ «مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا كَذَا أَعْظَمَ» فَقُلْت لَهُمْ إنَّ الْخَلْقَ هَاهُنَا وَقَعَ عَلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا عَلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ خَلْقَ الْقُرْآنَ هَاهُنَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ تُسْتَرَ بْنِ شَكْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ أَعْظَمَ مِنْ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: ٢٥٥] » .

<<  <  ج: ص:  >  >>