ذَلِكَ وَإِنْ نَازَعُوهُمْ فِي لَفْظِهِ وَمُجَرَّدُ النِّزَاعِ اللَّفْظِيِّ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَلَا ضَلَالًا فِي الدِّينِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ اسْتَخَفَّ بِالْبَحْثِ فِي مُسَمَّى الْمُتَكَلِّمِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْإِطْنَابَ لِأَنَّهُ بَحْثٌ لُغَوِيٌّ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ بِأَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ سَمْعِيَّةٌ كَمَا قَدْ ذَكَرَ هُوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ، الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ لَهُ الْمُنَازِعُ إثْبَاتَ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا أَمْرًا نَاهِيًا مُخْبِرًا بِالْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ لِتَنَازُعِهِمْ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ
(أَجَابَ) بِأَنَّا نُثْبِتُهَا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا وَأَخْبَرَ بِكَذَا وَقَالَ كَذَا وَتَكَلَّمَ بِكَذَا، وَبِأَنَّا نُثْبِتُهَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَرَّرُوهُ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ آمِرٌ نَاهٍ كَانَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْمُتَكَلِّمِ الْآمِرِ النَّاهِي هَلْ هُوَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْكَلَامُ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ أَوْ هُوَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِهِ هُوَ أَحَدُ مُقَدِّمَتَيْ دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ الْآمِرُ النَّاهِي الْمُخْبِرُ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا خَبَرٌ بَطَلَتْ حُجَّةُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالْإِطْنَابُ فِي هَذَا الْأَصْلِ هُوَ أَهَمُّ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلٌ أَهَمُّ مِنْ هَذَا وَبِهَذَا الْأَصْلِ كَفَّرَ الْأَئِمَّةُ الْجَهْمِيَّةَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ وَأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَاللُّغَةِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا بَحْثًا لَفْظِيًّا لُغَوِيًّا كَمَا زَعَمَهُ بَلْ هُوَ بَحْثٌ عَقْلِيٌّ مَعْنَوِيٌّ شَرْعِيٌّ مَعَ كَوْنِهِ أَيْضًا لُغَوِيًّا كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْوَجْهِ الْخَامِسِ: وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ الْمُتَكَلِّمِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ أَوْ لَا يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ.
وَكَوْنُ الْحَيِّ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ هُوَ مِثْلُ كَوْنِهِ حَيًّا عَالِمًا وَقَادِرًا وَسَمِيعًا وَبَصِيرًا وَمَرِيدًا بِصِفَاتٍ تَقُومُ بِغَيْرِهِ، وَكَوْنِ الْحَيِّ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ لَا تَقُومُ بِهِ حَيَاةٌ وَلَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ، وَهَذِهِ كُلُّهَا بُحُوثٌ مَعْقُولَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ لَا تُخَصُّ بِلُغَةٍ بَلْ تَشْتَرِكُ فِيهَا الْأُمَمُ كُلُّهُمْ، وَهِيَ أَيْضًا دَاخِلَةٌ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ حُكْمِ الصِّفَةِ لِلْمَحِلِّ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الصِّفَةُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مُقَامٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ مُقَامٌ لَهُ سَمْعِيٌّ، وَلِهَذَا يُبْحَثُ مَعَهُمْ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ بِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute