للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَيَّ لَا يَكُونُ عَلِيمًا قَدِيرًا إلَّا بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: إنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُ هَذَا الْمَقَامِ لَمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُثْبِتَ قِيَامَ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ لِأَنَّهُ قَرَّرَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ اللَّهَ آمِرٌ وَنَاهٍ وَمُخْبِرٌ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظَ بَلْ هُوَ مَعْنًى هُوَ الطَّلَبُ وَالزَّجْرُ وَالْحُكْمُ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ الْإِرَادَةَ وَالْعِلْمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْآمِرَ النَّاهِيَ الْمُخْبِرَ هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ أَمَّا أَنْ يَقُولُوا يَقُومُ بِغَيْرِ مَحِلٍّ، أَوْ يَقُولُوا كَوْنَهُ آمِرًا وَمُخْبِرًا مِثْلُ كَوْنِهِ عَالِمًا وَذَلِكَ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ. فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالْمُخْبِرُ لَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَرٌ وَلَا أَمْرٌ لَمْ يُمْكِنْهُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْمَعَانِي قَائِمَةً بِذَاتِ اللَّهِ، بَلْ يُقَالُ لَهُ هَبْ أَنَّ لَهَا مَعَانِيَ وَرَاءَ الْأَلْفَاظِ وَوَرَاءَ هَذِهِ لَكِنْ لِمَ قُلْتَ أَنَّ الْآمِرَ النَّاهِيَ هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ تِلْكَ الْمَعَانِي دُونَ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَعَلَ تِلْكَ الْمَعَانِيَ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: إنَّهُ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ هُوَ الطَّلَبُ وَالزَّجْرُ وَالْحُكْمُ ثُمَّ يَقُولُونَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَادِثًا فِي غَيْرِهِ لَا فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ ذَاتَه لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَبِذَلِكَ أَثْبَتُوا قِدَمَ الْكَلَامِ فَقَالُوا لَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَكَانَ إمَّا أَنْ يُحْدِثَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَهُوَ مُحَالٌ أَوْ غَيْرَهُ فَيَكُونُ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ لَا فِي مَحِلٍّ فَيَلْزَمُ قِيَامُ الصِّفَةِ بِنَفْسِهَا وَهُوَ مُحَالٌ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ مُحَالٌ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِجَمِيعٍ الطَّوَائِفِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا جَوَّزَ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ بَطَلَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَامْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ هُوَ قَدِيمٌ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ أَوْ أَثْبَتَ أَنَّ اللَّهَ آمِرٌ نَاهٍ مُخْبِرٌ بِمَعْنًى يَقُومُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا وَيَكُونَ صِفَةً لِلَّهِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ وَيَسْكُتُ إذَا شَاءَ كَمَا يَقُولُهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ بِقِدَمِهِ بِلَا دَلِيلٍ إلَّا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ فَيُرِيدُونَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ إذَا شَاءَ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي قَرَّرَهُ يُبْطِلُ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَقَوْلَ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَنْفَعُ حِينَئِذٍ احْتِجَاجُهُ بِاجْتِمَاعِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>