الْوَجْهُ الثَّامِنُ: إنَّهُ لَمَّا عَارَضَ، الْإِجْمَاعُ الَّذِي ادَّعَاهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأُمَّةِ لَمْ يُثْبِتْ قِدَمَ كَلَامِ اللَّهِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فَيَكُونُ التَّمَسُّكُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ أَجَابَ بِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمَحْصُولِ أَنَّ إحْدَاثَ دَلِيلٍ لَمْ يَذْكُرْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ لَا يَكُونُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا إذَا كَانَ قَدْ اسْتَدَلَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ مُنْضَمًّا إلَى دَلِيلِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَخْطِئَةَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا بَطَلَ مُعْتَمَدُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُمْ وَذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ كَانَ هَذَا تَخْطِئَةً مِنْهُ لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِهَا إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِخَلْقِهَا قَالُوا ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الصِّفَاتِ بِهِ وَعِنْدَهُ كِلَا الْحُجَّتَيْنِ بَاطِلَةٌ وَهُوَ احْتَجَّ بِإِجْمَاعِ الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ حُجَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فَلَزِمَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى بَاطِلٍ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ سِوَى مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَدْ عَلِمَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ حُكْمٌ عَلَى الْأُمَّةِ قَبْلَهُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى ضَلَالَةٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَالثَّانِي عَدَمُ صِحَّةِ احْتِجَاجٍ بِإِجْمَاعِهِمْ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ لَزِمَ هَذَانِ الْمَحْذُورَانِ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ مُرَكَّبٌ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى قِدَمِ الْكَلَامِ بِقِدَمِ الْعِلْمِ وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ صُورِيٌّ وَقَوْلُهُ لِلْمُعْتَزِلَةِ نُسَلِّمُ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ تُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ اعْتَقَدَ هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ طَائِفَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَبِقَوْلِ طَائِفَةٍ أُخْرَى فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى بِنَاءً عَلَى الْمَنْعِ فِي الْأَوْلَى عَلَى قَوْلَيْنِ وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ اتَّحَدَ مَأْخَذُهُمَا لَمْ يَجُزْ الْفَرْقُ وَإِلَّا جَازَ وَقِيلَ إنْ صَرَّحَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِالتَّسْوِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْفَرْقُ وَإِلَّا جَازَ وَاذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّ النِّزَاعَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فِي مَسَائِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ غَيْرُ مُسْتَلْزِمَةٍ لِلْأُخْرَى.
إحْدَاهُنَّ: إنَّ الْكَلَامَ هَلْ هُوَ قَائِمٌ بِهِ أَمْ لَا.
وَالثَّانِيَةُ: الْكَلَامُ هَلْ هُوَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ مَجْمُوعُهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute