وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامَغَانِيُّ: وَبَعْدَهُ الْجَوَابُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ أَعْيَانُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنْصَارُ الشَّرِيعَةِ انْتَصَبُوا لِلرَّدِّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ طَعَنَ فِيهِمْ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِذَا رُفِعَ أَمْرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيبُهُ بِمَا يَرْتَدِعُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ.
وَكَتَبَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَيْرُوزَابَادِيّ بَعْدَهُ: جَوَابِي مِثْلُهُ.
وَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّاشِيُّ قَالَ: فَهَذِهِ أَجْوِبَةُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِهِمْ عُلَمَاءَ الْأَئِمَّةِ، فَأَمَّا قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنَفِيُّ الدَّامَغَانِيُّ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ فِي عَصْرِهِ أَبُو حَنِيفَةَ الثَّانِي، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَدْ طَبَّقَ ذِكْرُ فَضْلِهِ الْآفَاقَ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ فَلَا يَخْفَى مَحَلُّهُ عَلَى مُنْتَهٍ فِي الْعِلْمِ وَلَا نَاشِئٍ.
قُلْت: هَذِهِ الْفُتْيَا كُتِبَتْ هِيَ وَجَوَابُهَا فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ، فَإِنَّ مَلِكَ بَغْدَادَ مَحْمُودَ بْنَ سبكتكين كَانَ قَدْ أَمَرَ فِي مَمْلَكَتِهِ بِلَعْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ عَلَى الْمَنَابِرِ فَلُعِنُوا، وَذُكِرَ فِيهِمْ الْأَشْعَرِيَّةَ، وَكَذَلِكَ جَرَى فِي أَوَّلِ مَمْلَكَةِ السَّلَاجِقَةِ التُّرْكِ، وَكَانَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي إدْخَالِهِمْ فِي اللَّعْنَةِ فِيهِمْ مِنْ سَكَّانِ تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ طَوَائِفُ، وَجَوَابُ الدَّامَغَانِيِّ جَوَابٌ مُطْلَقٌ فِيهِ رِضَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُ أَجَابَ بِأَنَّهُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى لَعْنَةِ فِرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَكْفِيرِهِمْ فَقَدْ ابْتَدَعَ وَفَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ تَكْفِيرُهُ، إذْ الْمُكَفِّرُ لِشَخْصٍ أَوْ طَائِفَةٍ لَا يَقُولُ إنَّهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُكَفِّرُهُمْ، بَلْ يَقُولُ: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: ذَهَبَ أَئِمَّتُنَا إلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْوَجْهَ صِفَاتٌ ثَابِتَةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى، وَالسَّبِيلُ إلَى إثْبَاتِهَا السَّمْعُ دُونَ قَضِيَّةِ الْعَقْلِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدَنَا حَمْلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَحَمْلُ الْعَيْنَيْنِ عَلَى الْبَصَرِ، وَحَمْلُ الْوَجْهِ عَلَى الْوُجُودِ. قُلْت: فَاتَّضَحَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْكَلَامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ يَثْبُتُونَ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ خَالَفَ أَئِمَّتَهُ وَوَافَقَ الْمُعْتَزِلَةُ.
قَالَ شَارِحُ كَلَامِهِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْأَنْصَارِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute