أَنَّ الْيَدَيْنِ صِفَتَانِ ثَابِتَتَانِ زَائِدَتَانِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ سُبْحَانَهُ وَنَحْوَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ: وَمَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الْهِدَايَةِ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ.
قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ كَالتَّمْهِيدِ وَالْإِبَانَةِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ: وَفِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي الْيَدَيْنِ تَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ لَا إلَى الصِّفَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيِّ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ -: أَمَّا الْعَيْنَانِ فَعِبَارَةٌ عَنْ الْبَصَرِ، وَكَانَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْيَدُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقِ إلَيْهِمَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: قَدْ كَانَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ صِفَتَيْنِ: يَقَعُ بِإِحْدَاهُمَا الِاصْطِفَاءُ بِالْخَلْقِ، وَبِالْأُخْرَى الِاخْتِيَارُ بِالتَّقْرِيبِ فِي التَّكْلِيمِ وَالْإِفْهَامِ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ دَلِيلٌ عَلَى تَسْمِيَتِهِ فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِبَيَانِهَا، فَثَمَّ الصِّفَةُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الِاصْطِفَاءُ بِالْخَلْقِ يَدًا، وَالصِّفَةُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّقْرِيبُ فِي التَّكَلُّمِ وَجْهًا، وَقَالُوا: لَمَّا صَحَّ فِي الْعَقْلِ التَّفْضِيلُ فِي الْخَلْقِ وَالْفِعْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْإِكْرَامُ، وَالتَّقْرِيبُ بِالْإِقْبَالِ وَجَبَ إثْبَاتُ صِفَةٍ لَهُ يَصِحُّ بِهَا مَا قُلْنَاهُ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا مُجَافَاةٍ فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِتَسْمِيَةِ إحْدَاهُمَا يَدًا وَالْأُخْرَى وَجْهًا.
وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ جَوَازُ وُرُودِ السَّمْعِ، وَأَكْثَرُ مِنْهُ، وَمَا جَهَرَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَخْبَارِ فَطَرِيقَةُ الْآحَادِ الَّتِي لَا تُوجِبُ الْعِلْمَ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهَا إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلْقَدِيمِ، وَإِنْ ثَبَتَ مِنْهَا شَيْءٌ بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ كَانَ مُتَأَوِّلًا عَلَى الْفِعْلِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: طَرِيقُ إثْبَاتِهَا السَّمْعُ الْمَحْضُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعُقُولِ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لَوْ جَازَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِإِثْبَاتِ صِفَاتٍ لَا يَدُلُّ الْعَقْلُ عَلَيْهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى صِفَاتٍ لَا يَدُلُّ الْعَقْلُ عَلَيْهَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى صِفَاتٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَا، وَلَا صَارَتْ مَعْلُومَةً.
وَوَجَبَ عَلَى الْقَائِلِ بِذَلِكَ جَوَازُ وُرُودِ السَّمْعِ بِصِفَاتِ الْإِنْسَانِ أَجْمَعَ لِلَّهِ تَعَالَى، إذَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا شَبِيهَةً بِصِفَتِهِ؛ كَانَ جَوَابُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِصِفَاتِهِ وَحَكَمَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِكَمَالِهِ عِنْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ أُخْرَى لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا مُسْتَحِقَّ الْمَدْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِاَللَّهِ، يَعْنِي وَبِصِفَاتِهِ أَجْمَعَ، فَلَمَّا وَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ عِنْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا وَرَدَ مِنْ الشَّرْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute