ثَبَتَ أَنْ لَا صِفَةَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيَّنَ الطَّرِيقَ إلَيْهِ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ فِيهِ الْكَشْفَ عَنْ الْمَعْنَى.
قُلْت: الْجَوَابَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ اللَّهِ، لَكِنْ هَلْ كُلُّهَا مَعْلُومَةٌ بِالْعَقْلِ، أَوْ مِنْهَا مَا عُلِمَ بِالسَّمْعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؟ وَمُحَقِّقُو الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَقُولُوا: إنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّا عَلِمْنَا اللَّهَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَا صِفَةَ لَهُ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَمَنْ أَثْبَتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ السَّمْعِيَّةَ وَصَارَ إلَى أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ دَلَالَاتُ الْمَعْقُولِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] ، قَالُوا: وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْقُدْرَةِ، إذْ جُمْلَةُ الْمُخْتَرَعَاتِ مَخْلُوقَةٌ بِالْقُدْرَةِ فَفِي الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إبْطَالُ فَائِدَةِ التَّخْصِيصِ.
قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ، فَإِنَّ الْعُقُولَ قَضَتْ بِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْقُدْرَةِ، أَوْ يَكُونُ الْقَادِرُ قَادِرًا، فَلَا وَجْهَ لِاعْتِقَادِ خَلْقِ آدَمِيٍّ بِغَيْرِ الْقُدْرَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ يَدَيْنِ صِفَتَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: التَّثْنِيَةُ رَاجِعَةٌ إلَى اللَّفْظِ لَا إلَى الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَلَانِسِيِّ، وَعَنْ الْأُسْتَاذِ، عَلَى أَنَّهُ كَمَا يُعَبَّرُ بِالْيَدِ عَنْ الِاقْتِدَارِ، فَكَذَلِكَ يُعَبَّرُ بِالْيَدَيْنِ عَنْ الِاقْتِدَارِ، فَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: " مَالِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدٌ " يَعْنُونَ: مَالِي بِهِ قُدْرَةٌ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي: الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقُدْرَةُ. قُلْت: هَذَا النَّقْلُ فِيهِ نَظَرٌ، فَكِلَاهُمَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ، بَلْ هُوَ نَصٌّ فِي خِلَافِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ، بِالْأَيْدِي فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute