{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: ٧١] الْقُدْرَةُ.
قَالَ: وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَالْقَاضِي لَيْسَ يُوَصِّلُ إلَى الْقَطْعِ بِإِثْبَاتِ صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ، عَلَى مَا عَدَاهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ، وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُنْكِرْ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ صِفَةً سَمْعِيَّةً لَا يَدُلُّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا سَمْعًا، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ مَقْطُوعًا بِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَصْحَابُ قَطْعٌ؛ وَالظَّوَاهِرُ الْمُحْتَمَلَةُ لَا تُوجِبُ الْعِلْمَ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْعِ تَقْدِيرِ صِفَةٍ مُجْتَهَدٍ فِيهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَطْعِ فِيهَا بِعَقْلٍ، وَلَيْسَ فِي الْيَدَيْنِ - عَلَى مَا قَالَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ تَنْزِيلُ ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْيَدَيْنِ حَمْلُهَا عَلَى جَارِحَتَيْنِ فَإِنْ اسْتَحَالَ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْقُدْرَةِ أَوْ النِّعْمَةِ أَوْ الْمُلْكِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا مَحْصُولَتَانِ عَلَى صِفَتَيْنِ قَدِيمَتَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى زَائِدَتَيْنِ عَلَى مَا عَدَاهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ.
قُلْت: ثُمَّ ذَكَرَ الْجَوَابَ عَنْ صِحَّةِ أَئِمَّتِهِ بِمَا لَيْسَ، هَذَا مَوْضِعَهُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ الِاسْتِقْصَاءَ فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَنَفْيِهَا، إذْ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى تَغْيِيرِ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ. وَأَبُو الْمَعَالِي اعْتَمَدَ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ بَاطِلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمْعِ مَا يَقْطَعُ بِثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَةِ، لَا نَصًّ وَلَا إجْمَاعَ وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ بِأَنْ يُتَكَلَّمَ فِي الصِّفَاتِ بِغَيْرِ قَطْعٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَقُمْ الْقَاطِعُ بِالثُّبُوتِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِانْتِفَاءِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا ذَكَرَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ مَعْرُوفٌ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ فِي الدُّنْيَا إمَّا بِالْعَقْلِ عَلَى قَوْلِ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِمَّا بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خِلَافُ إجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَخِلَافُ قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ، فَإِنَّ الْقَطْعَ بِالنَّفْيِ بِلَا عِلْمٍ يُوجِبُ النَّفْيَ كَالْقَطْعِ بِالْإِثْبَاتِ بِلَا عِلْمٍ، وَالْوَاجِبُ أَنْ تُعْطَى الْأَدِلَّةُ حَقَّهَا، فَمَا كَانَ قَطْعِيًّا قُطِعَ بِهِ، وَمَا كَانَ ظَاهِرًا مُحْتَمِلًا قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute