للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهُ ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ، وَمَا كَانَ مُجْمَلًا قِيلَ إنَّهُ مُجْمَلٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا أَنَّ مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ فَانْفُوهُ، بَلْ قَالُوا امْسِكُوا عَنْ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ، وَفَرْقٌ بَيْنَ السُّكُوتِ عَمَّا لَمْ يَرِدْ وَبَيْنَ النَّفْيِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ النَّفْيُ لِمَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الْوَارِدِ؟ ، وَأَبُو الْمَعَالِي يَتَكَلَّمُ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ بَارِعًا فِي فَنِّ الْكَلَامِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ أَصْحَابُهُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَزِلَةُ هُمْ الْأَصْلَ فِيهِ لِكَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ لِكُتُبِ أَبِي هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ، فَأَمَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَقَوْلُ أَئِمَّتِهَا فَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا جِدًّا، وَكَلَامُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا تَجِدُهُ فِي عَامَّةِ مُصَنَّفَاتِهِ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى قَاطِعٍ فَإِنَّمَا هُوَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ قِيَاسٍ عَقْلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ سَمْعِيٍّ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ، فَأَمَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا فَهُوَ قَلِيلُ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَالْخِبْرَةِ بِهَا، وَاعْتَبِرْهُ بِمَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْآجُرِّيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي أَبْوَابِ السُّنَّةِ، وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَقَدْ رَدُّوا عَلَيْهِمْ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ.

فَإِنَّهُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ نَابَذُوا الْمُعْتَزِلَةَ وَخَالَفُوهُمْ، وَاتَّبَعُوا السَّمْعَ وَالشَّرْعَ وَأَثْبَتُوا الرُّؤْيَةَ وَالنَّظَرَ، وَأَثْبَتُوا الصِّرَاطَ وَالْمِيزَانَ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ، وَمَسْأَلَةَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَالْمِعْرَاجَ وَالْحَوْضَ، وَاشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَى إنْكَارِ مَأْثُورِ الْأَخْبَارِ وَالْمُسْتَفِيضِ مِنْ الْآثَارِ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالْعَقَائِدِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ وَالْإِيجَابِ، وَالْحَذَرَ لَا يُدْرَكُ عَقْلًا، وَالْمَرْجِعُ فِي جَمِيعِهَا إلَى مَوَارِدِ الشَّرْعِ وَقَضَايَا السَّمْعِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا بَلَغَتْهُمْ أَخْبَارٌ مُتَشَابِهَةٌ وَأَلْفَاظٌ مُشْكِلَةٌ لَمْ يَسْتَبْعِدُوا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَخْبَارِ: الْبَيِّنُ، وَالظَّاهِرُ، وَالْمُجْمَلُ، وَالْمُشْكِلُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ أَعْرَضُوا عَنْ ذِكْرِهَا، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ وَأَحْبَارَ الْأُمَّةِ بَعْدَ صَحْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ، لَمْ يُودِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ كِتَابَهُ الْأَخْبَارَ الْمُتَشَابِهَاتِ فَلَمْ يُورِدْ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُوَطَّإِ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَمْثَالُهُ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ، وَلَمْ يُفْتُوا بِنَقْلِ الْمُشْكِلَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>