وَنَبَغَتْ نَاشِئَةٌ ضَرُّوا بِنَقْلِ الْمُشْكِلَاتِ وَتَدْوِينِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَتَبْوِيبِ أَبْوَابٍ وَرَسْمِ تَرَاجِمَ عَلَى تَرْتِيبِ فِطْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ وَرَسَمُوا بَابًا فِي ضَحِكِ الْبَارِي، وَبَابًا فِي نُزُولِهِ وَانْتِقَالِهِ وَعُرُوجِهِ وَدُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ، وَبَابًا فِي إثْبَاتِ الْأَضْرَاسِ، وَبَابًا فِي خَلْقِ اللَّهِ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَبَابًا فِي إثْبَاتِ الْقَدَمِ وَالشَّعْرِ الْقَطَطِ، وَبَابًا فِي إثْبَاتِ الْأَصْوَاتِ وَالنَّغَمَاتِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ الزَّائِغِينَ.
قَالَ: وَلَيْسَ يَعْتَمِدُ جَمْعَ هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَتَمْهِيدَ هَذِهِ الْأَنْسَابِ إلَّا مُشَبِّهٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، أَوْ مُتَلَاعِبٌ زِنْدِيقٌ.
قَالَ الْمُعَظَّمُ لِأَبِي الْمَعَالِي النَّاقِلُ لِكَلَامِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّةِ: فِي قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي هَذَا بَعْضُ التَّحَامُلِ.
وَقَدْ أَثْبَتْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعْنَى شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصِّفَاتِ فِي آخِرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَثَبَتَ نَقْلُهُ وَمَوْرِدُهُ، وَأَضْرَبْنَا عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهَا اسْتِغْنَاءً عَنْهَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا، فَلْيُوقَفْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْهَا لِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ لَهَا، وَحَدِيثُ النُّزُولِ ثَابِتٌ فِي الْأُمَّهَاتِ أَخْرَجَهُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ. قُلْتُ: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مَا يَجِبُ رَدُّهُ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ: أَحَدُهَا: مَا ذَكَرَهُ عَمَّنْ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ دَائِمًا يَقُولُ: قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَصْحَابَهُ، وَهَذِهِ دَعْوَى يُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ مِثْلَهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ الَّذِينَ لَا رَيْبَ فِيهِمْ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَأَمَّا أَنْ يُفْرِدَ الْإِنْسَانُ طَائِفَةً مُنْتَسِبَةً إلَى مَتْبُوعٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَيُسَمِّيَهَا أَهْلَ الْحَقِّ، وَيُشْعِرُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَهَا فِي شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، فَهَذَا حَالُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَصِفُونَ طَائِفَةً بِأَنَّهَا صَاحِبَةَ الْحَقِّ مُطْلَقًا إلَّا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: ٣] . وَهَذَا نِهَايَةُ الْحَقِّ، وَالْكَلَامُ الَّذِي لَا رَيْبَ أَنَّهُ حَقٌّ قَوْلُ اللَّهِ وَقَوْلُ رَسُولِهِ الَّذِي هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute