حَقٌّ وَآتٍ بِالْحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} [الأحزاب: ٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَوْلُهُ الْحَقُّ} [الأنعام: ٧٣] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُكْتُبْ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمَا إلَّا حَقًّا» . فَأَهْلُ الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ، فَلَيْسَ الْحَقُّ لَازِمًا لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ دَائِرًا مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، لَا يُفَارِقُهُ قَطُّ إلَّا الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا مَعْصُومَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الْبَاطِلِ غَيْرُهُ، وَهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ الَّتِي أَقَامَهَا عَلَى عِبَادِهِ وَأَوْجَبَ اتِّبَاعَهُ وَطَاعَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
وَلَيْسَ الْحَقُّ أَيْضًا لَازِمًا لِطَائِفَةٍ دُونَ غَيْرِهَا إلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الْحَقَّ يَلْزَمُهُمْ إذْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ مَعَ الشَّخْصِ أَوْ الطَّائِفَةِ فِي أَمْرٍ دُونَ الْأَمْرِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُخْتَلِفَانِ كِلَاهُمَا عَلَى بَاطِلٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ طَائِفَةً مَنْسُوبَةً إلَى اتِّبَاعِ شَخْصٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ، إذْ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُبْطِلٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا كَانَ مَتْبُوعُهُمْ كَذَلِكَ، وَهَذَا مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ إجْمَاعُ هَؤُلَاءِ حُجَّةً إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ الْحَقِّ.
ثُمَّ هُوَ يَذْكُرُ أَئِمَّتَهُ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ أَهْلَ الْحَقِّ، ثُمَّ هُوَ يُخَالِفُهُمْ كَمَا صَنَعَ فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ فِيهَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ مِنْهُ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا مَنْ شَهِدَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَلَهُ فِي ذَلِكَ شَبَهٌ قَوِيٌّ بِبَعْضِ أَئِمَّةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْمَعْصُومِ، رَأَيْت لَهُ فَتَاوَى يَدَّعِي فِيهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُحِقَّةَ هُمْ أَتْبَاعُ الْمَعْصُومِ الْمُنْتَظَرِ، وَيَحْتَجُّ بِإِجْمَاعِ الطَّائِفَةِ الْمُحِقَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمَعْصُومِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ أَحْمَدُ وَلَمْ يَسْمَعْ لَهُ بِخَبَرٍ وَلَا وَقَعَ لَهُ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ، حَتَّى أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَنَازَعُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ دُونَ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ فِي أَهْلِهِ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ.
ثُمَّ رَأَيْته يُخَالِفُ أَصْحَابَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاضِعَ، فَأَيْنَ مُخَالَفَتُهُمْ وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي دَعْوَى أَنَّهُمْ الطَّائِفَةُ الْمُحِقَّةُ، الَّذِينَ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى بَاطِلٍ؟ وَكَذَلِكَ دَعَاوَى كَثِيرٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute