للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَا لَمْ يَجِدْ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَمَا لَمْ يُحَرَّمْ فَهُوَ حِلٌّ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: ١٧٣] الْآيَةَ. لِأَنَّ حَرْفَ " إنَّمَا " يُوجِبُ حَصْرَ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي، فَيَجِبُ انْحِصَارُ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذُكِرَ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمُحِيطِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: السُّنَّةُ، وَاَلَّذِي حَضَرَنِي مِنْهَا حَدِيثَانِ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا: مَنْ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تُحَرَّمُ إلَّا بِتَحْرِيمٍ خَاصٍّ، لِقَوْلِهِ " لَمْ يُحَرَّمْ " وَدَلَّ أَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهَا بِدُونِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ. الثَّانِي: رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ مِنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ؟ فَقَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» .

فَمِنْهُ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَفْتَى بِالْإِطْلَاقِ فِيهِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ «وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» نَصٌّ فِي أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَتَسْمِيَتُهُ هَذَا عَفْوًا كَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ هُوَ الْإِذْنُ فِي التَّنَاوُلِ بِخِطَابٍ خَاصٍّ، وَالتَّحْرِيمُ الْمَنْعُ مِنْ التَّنَاوُلِ كَذَلِكَ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَمْ يُؤْذِنْ بِخِطَابٍ يَخُصُّهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>